بقلم نضال نعيسة
باستثناء إسرائيل، ومهلكة آل وهاب السعودية، فلم تبق دولة لا في الشرق، ولا في الغرب، ولا في الشمال أو في الجنوب، إلا واتصلت بالسوريين مُعبّرة عن إدانتها للتفجير الإرهابي الآثم الذي طال دمشق صبيحة يوم السبت الفائت.
وهذا ما يفسر، من ضمن ما يفسر، الغاية من وجود هذين الكيانين السرطانيين المخلوقين بريطانياً والمزروعين في العمق والقلب من هذه المنطقة الإستراتيجية الهامة، للجم تطورها، وفرملة الحداثة فيها، وإفقار شعوبها، ومنع قيام أية عملية تنوير فيها.
فالسعودية، كما إسرائيل، فقط من دون كل دول العالم، ترمز اليوم للدولة الدينية الكهنوتية الفاشية العنصرية المغلقة، التي تحتقر وتكفـّر الآخرين، وتسعى لنشر الجهل والخزعبلات والأساطير الغيبية وتعمل على تعميمها، وتلوذ بها، ويقوم عليها بنيانها الوجودي لترثيث المنطقة وإعادتها إلى سيرتها الأولى وهذا يصب في مصلحة الوحش الإمبريالي المتعولم دولارياً وشركات تمص دماء الفقراء ومتعددة الجنسيات وتتخذ من إسرائيل والسعودية منصات متقدمة لتنطلق في غابات الشرق الأوسط الغافي على فوهات بركانية طائفية مذهبية.
فمن هو المخلص الوفي لهذا الدور سوى إسرائيل السعودية؟ فلقد وظفت المهلكة الوهابية كافة إمكانياتها المالية والإعلامية لنشر الجهل وتصدير الأنموذج الهمجي المتوحش لإنسان المنطقة، وهذا لم يتأت من عبث، ولا فراغ، بل في إطار خطة مدروسة وممنهجة وتلتقي في محاورها الرئيسية مع الأهداف المعلنة لبروتوكولات حكماء صهيون التي تدعي، وهو في صلب عقيدتها، بأن رسالتها التوراتية المقدسة هي لتطوير المنطقة، وتحديثها من هؤلاء البدو العرب الهمج المقاومين لمشروعها، والذين لا يستأهلوا الاحتفاظ بالمناطق المقدسة في فلسطين التي تشترك فيها الديانات الثلاث.
وتكرس السياسات السعودية الرسمية هذه الصورة المستنمطة عن شعوب المنطقة لا بل تزيدها قباحة وشناعة وفظاعة عبر تبني ورعاية تلك القطعان الوهابية الهمجية التي تطلق فتاوى بات تستخدم في كافة دول العالم لإضفاء نوع من المفاكهة على جلسات شعوبهم وإضحاكهم، وربما إبكائهم، حرقة وألماً، على تلك الكائنات الديناصورية المتكلسة التي تتنفس من هواء الألفية الثالثة.
فهل من قبيل الصدف العابرة أن تلتقي إستراتيجية المهلكة العامة مع بروتوكولات حكماء صهيون، متجسدة بالتالي في توحد الجانبين بموقف واحد اتجاه سورية، حقداً وكيداً وعدوانية وترصداً؟ أم يعتبر ذلك في إطار التنسيق التام من كل ما له علاقة بالتنوير ومقارعة المشروع الاستيطاني؟ فقد عمدت إسرائيل مثلاً على تحييد مصر وإخراجها سياسياً وعسكرياً من دائرة الصراع العربي الإسرائيلي عبر اتفاقيات كامب ديفيد الشهيرة، فيما تكفلت السعودية، وهذا من صلب مهمتها ودورها الطبيعي، بإخراج مصر حضارياً من دائرة السباق والريادة الحداثية والتنويرية التي أخذتها مصر على عاتقها وكانت رائدة فيها في بداية القرن العشرين وقبل ولادة المهلكة الوهابية على أيدي الاستخبارات البريطانية الذين وجدوا في آل سعود خير رديف ومعين لنصرة المشروع الصهيوني في المنطقة إلى أن صارت مصر حاضرة وهابية مغلقة في العصر السعودي وبفعل البترودولار الوهابي، وكله كرمى للوجه الحاخامي، وخدمة خالصة للمشروع الصهيوني. وليس من قبيل الصدفة، البتة، أن يتقهقر المشروع النهضوي التنويري والحداثوي في المنطقة بالتزامن مع صعود الحقبة البترولية الوهابية التي قدمت أحط نماذج الحكم وأبشعها وأكثرها بربرية ووحشية.(لا تزال المهلكة السعودية حتى اليوم تقطع رؤوس العرب والمسلمين في الشوارع العامة، وتطلق سراح الأمريكيين والإنكليز ويالسماحة الوهابيين، المحكومين بنفس التهم). والأمثلة كثيرة ومتعددة على تلاقي بل تكامل المشروعين السعودي والإسرائيلي في المنطقة وهذا يكشف سر هذا العداء والمكين والدفين وحجم الغل والتشفي والشماتة والجزل الذي أظهره ويظهره الجانبان لسوريا وحزب الله وحماس والفصائل المقاومة الأخرى، بينما كانت الأرامل والأمهات والأخوات السوريات البريئات يندبن ويلطمن ألماً وحسرة، ويقطرن دماً على فقدان الأحبة والأعزة والغوالي من أزواج وأبناء وأشقاء لهن قضوا غدراً وخسة وغيلة وجبناً.
وهذا الموقف السعودي المشين إزاء سوريا، لا ينم البتة عن أية "أصالة عربية"، ولا نخوة إنسانية، وليس فيها شيء من مروءة ورجولة الرجال، ولا تنطوي على أي قدر من المسؤولية والتمتع بأدنى متطلبات وواجبات الجوار، و"الأخوة العربية"، هذا إذا أمكن الحديث عن أية أخوة عربية في هذا المجال، بعد أن أصبح العرب والعروبة، وعلى أياديهم وبفضلهم، في ذل وهوان، وفي خبر كان.
الإرهاب أعمى، وخـَبـَطَ، ويخبط عشوائياً في كل مكان من أرجاء هذا العالم المترامي، الفسيح، والواسع الأطراف.
فقد ضرب في أرض الحرمين، غير مرة، وبشكل جنوني وعنيف دام ومحزن، صعق له العالم أجمع. وعلى عكس ما نراه اليوم من سميـّة وغل وتشف وجزل لئيم في صحف أبي جهل، وفي تلك اللحظات الأليمة السوداء، فقد وقف الجميع في سوريا، ضد تلك الأفعال، وأدانوها كباراً وصغاراً، عامة ونخباً ومن مختلف الأعمار، وطيـّرت لذلك الرسائل والبرقيات، واستنفرت الأقلام، وحزن وتألم كل سوري لكل قطرة دم بريئة سالت على يد من رعاهم وسمنـّهم أمراء الإرهاب الوهابي نفسه، ليفتكوا لاحقاً بشعبهم وبأبناء جلدتهم ممن يقيمون الصلوات ولا ينفكوا عن ذكر الله. وهذا ليس تمنيناً ولا تذكير، إلا أنه رد الفعل الطبيعي والإنساني والموقف التلقائي والعادي لأبناء وسليلي الحضارات العظيمة التي أنجبتها أرض سوريا العظيمة. وإلى اليوم ترزح المملكة الوهابية تحت وطأة هذا الإرهاب الوحشي الفاشي الأجرب، وهناك حديث، وتحذير إعلامي سعودي رسمي مسهب، ودائم، عن خلايا نائمة هنا وهناك في جزيرة العرب. (لن نقول السعودية التي اغتصب أمراء الوهابية اسمها التاريخي وأطلقوا على جزيرة العرب اسم أسرتهم وهي الدولة الوحيدة التي تتجرأ تفعل هذا حالياً في الكوكب الأرضي، وتزيف بصلف وغرور أحمق حقائق التاريخ والواقع الجغرافي).
والحقيقة فهذه ليست سابقة سعودية على الإطلاق. فهذا التحلل والتفكك والتملص اللا أخلاقي السعودي ليس بجديد عليها، كلا وألف حاشا لله. فتراثهم الأسود الغني يحفل بكل ما يشين مما يندى له الجبين. فهم أدمنوه، وكان ديدنهم على الدوام.
فمثلاً، في الوقت الذي كانت فيها طائرات أولمرت وموفاز تقصف بيروت، الأمر الذي أدمع مآقي السنيورة لاحقاً، ويا حرام، كانت السعودية الرسمية تصدر، من جهة، بيانات التضامن مع إسرائيل وتبرير عدوانها الوحشي، ووصف المقاومة وبطولاتها بالمغامرة غير محمودة العاقبة، وعلى الجهة المقابلة كان، وعاظ وحاخامات الوهابية من غلمان آل سعود يؤازرون أمراءهم ويصدرون الفتاوى التكفيرية بحق حزب الله. (على ذكر الحاخات كنا في قلب لندن، ولكي لا يلتبس الأمر على أحد، بعيدين عن سطوة الأمن والمخابرات السورية حين كتبنا مقال حاخامات بغترة وعقال تعقيبا على ذاك الموقف السعودي المشين وموجود في موقعنا الفرعي بالحوار المتمدن باليوم والتاريخ ).
إنه العار الذي تلبس، وميـّز السياسات السعودية المتصهينة في المنطقة على الدوام والتي تصب، حكماً، في طواحين الحاخامات، وميـّزها عن سواها من سياسات، وسيسجل لهم التاريخ هذا كما سجل لهم غيرها من موبقات العهر الأخرى. غير أن شعبنا الأبي الصابر في جزيرة العرب مغلوب على أمره، وبريء من حاخامات الوهابية الكبار، ومن كل مواقفهم، وينفض يدهم منهم، ولا يتبنى أياً من سياساتهم الكيدية الحاقدة، بالتأكيد.
إنه العار السعودي الأبدي، وإذا لم يكن العار والخسة والنذالة سعودياً فما عساه أن يكون إذاً؟
وكل 1400 عام وأنتم بخير
نضال نعيسة
sami3x2000@yahoo.com