وديع ابو زيدون
تقديم
للمرأة مكانة مُلتَبِسة وملّغزة في سفرالإنسانية المديد ،فهي المخلوقة من ضلع آدم المعْوَج، لتكون أنيسا لوحدته،وخليلة وحشته في قفصه المسمى بالجنة !، وهي المغويّة حينا والغاوية حينا آخر، ولقد جاءت الكتب السماوية والرسالات التوحيدية وغيرها في أخبار وقصص تنوعت، وآشتركت وافترقت، في الرواية عن قصة هذا الكائن اللغز،الذي صيّره المخيال الجمعي الى آخر يتربص بنا، ونُوقع به، تلك هي الشراك التي إمتدت عبر قرون بين آدم وحواء... ولعلّني أحسد حواء على هذه القدرة الغريبة في تحمّل أرث ظالع في دائرة العبودية وفنونها وشرائعها، تلك التي إنتجتها تراتبيا الحضارة الذكورية على المستويات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، مسنودة بظهير ديني مخصوص تارة، وآيديولوجي بشكل عام تارة أخرى. كما أغبط حواء أيضا على وجودها المثير للجدل في هذه الإشكالوية في الزمانية الكبرى" الماضي والحاضر والمستقبل على حد توصيف الفيلسوف الفرنسي بول ريكور" !
ولعل المجتمع برمته عانى من إشكالية تسرب الدين الى مفاصل الحياة وحقولها المختلفة، وصولا الى أدق التفاصيل الشخصية في العلاقات العامة والخاصة، بدعوى وجود الدين كناظم وهادٍ للجميع وهو رسالة سماوية لا يمكن الاعتراض على أحكامها وفروضها، وتوابع وذيول سدنتها وإجتهادت القائمين فيها على ولاية المجتمع المدني بتسيّدهم هرم السلطة السياسية، أوعلى شكل جوامع ومجامع وحوزات وتكايا وصوامع تُشكّل سلطات باطنية وتمثل وفرة وسلطة سائدتين من فاعلين إجتماعيين لهم رأس مال رمزي في هذا الحقل بحسب عالم الاجتماع الفرنسي بيار بورديو.
القرآن ونضج الرسالة الإلهية
يشير علماء اللسانيات وفي موضوع القراءة والتلقي تحديدا الى وجود ثلاثة عناصر رئيسية في كل خطاب وهي" المرسل، المرسل اليه، ومابينهما الرسالة"، وتفترض هذه الموضوعة توافر قدرات فك الشفرة في محيط "أو فضاء إتصال" العلاقة بين باث الرسالة والمتلقي، أي بين " المنتج" الذي هو صاحب الرسالة ، والقاريء أوالمتلقي ، وتصل هذه القدرات الى حق القاريء في إضافة معنى جديد للنص الاصلي وعدم تفرد وديكتاتورية المرسل لنص الرسالة بعد ان تكون في متناول الجميع وخاضعة لمشارط القراءة وإعادة الانتاج " التأويل".
واذا ما أردنا ان نستفيد من هذه الموضوعة اللسانية في جزيئة وجود رسالة ومرسل ومرسل اليه وعمق فضاء العلاقة والتأويل بينهما، فإننا نعلم حدود"المرسل الذي هو الله" والمتلقي" المسلمون " والرسالة هي " القرآن".
فهل كان المرسل ناضجا في نصه... والمتلقي قانعا بها، وهل كانت الرسالة واضحة وصريحة ولا تحتاج الى تأويل؟؟.
يمثل القرآن أخر "كتاب مقدس" لديانة توحيدية إخيرة وهي الاسلام، وبهذا التراتب الزمني التاريخي للرسالات التوحيدية، والمصدر الالهي لهذا الكتاب– حسب إدعاء المسلمين- يعني أن هذا الكتاب في أعلى درجة من الكمال والنضج والصلاح التام في التعامل مع المشكلات البشرية عامة ، ومشكلة العلاقات الاسرية وتحديدا العلاقة بين الرجل والمرأة، لما يفترضه المنطق من تطور العقلية البشرية ورقي مستوى التلقي عندها، لقبول الرسالة الاخيرة من المرسل الاول" الله"، وقطعا كان الله، يحمل ضمنا، قصدا واضحا في التدرّج بمخاطبة العقل البشري في تسلسله في إرسال الأنبياء والرسل والرسالات تباعا .
واذا كان الاسلام خاتم الرسالات الإلهية ، ومحمد خاتم الرسل والأنبياء ، فهل كان القرآن" الرسالة " بمستوى النضج المفترض لمعالجة المشاكل الناجمة عن العلاقة بين الرجل والمرأة في إطار العقد المسمى" الزواج الشرعي"؟
وهل حقا كانت الرسالة" القرآن" مستوفية لشروط القبول في حاضنة إنتاجها، وفي كل زمان ومكان
أيضا ،أم أنها كانت ضحية إفتراءات القراءة والتلقي الجديدين على الله ورسوله !!؟
الضَرب في القرآن
لعل من النماذج الصريحة جدا والتي نصّ عليها القرآن بوضوح تام هي مسألة الضرب، كما وردت في سورة النساء : 34- 35"... وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا ،وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا".
وسوف نتحدد في هذه المقالة بدراسة موضوع الأذى الجسدي الصريح الذي يقرّه القرآن، وهو "الضرب"، ويُعتبر- وفقا للقرآن- من ضرورات الحياة لمواجهة المشاكل التي تطرأ على العلاقات الزوجية، بغض النظر عما يسببه من استفزاز صريح وصادم للعلاقة الزوجية في المجتمع ، ولما له من آثار نفسية سلبية في بناء مجتمع قائم على الاسرة والفرد كنواتين مهمتين لإرساء مفهوم الانسان الفاعل والحر في الحياة .
تفسير آية الضرب
إختلف المتلقي المسلم " وأعني هنا المُفسر" في قبول النص " الإلهي" على صراحته الواضحة ، فمنهم من أيّد الرسالة بنصها وخفف من شدة الوسيلة المتّبعة في تنفيذ العقاب ، كما هو عند السيد محمد الشيرازي صاحب كتاب " تقريب القرآن الى الاذهان" إذ يقول في تفسير وَاضْرِبُوهُنَّ :" وفي بعض الأخبار أن الضرب بالسواك، ولا يخفى أن هذه المراتب بالتدرّج وإن كان الواوالعاطفة لا تفيد ذلك كما قالوا، كما إن المرأة كثيراً ما تتأدب بالهجر والضرب الخفيف لأنهما يبعثان فيها العاطفة نحو الزوج ويتطلبان منها تحسين سلوكها ليرجع إليها قلب الزوج" . ويؤيده صاحب الميزان في تفسير القرآن السيد محمد حسن الطباطبائي بقوله " الأمور الثلاثة أعني ما يدل عليه قوله: «فعظوهن واهجروهن في المضاجع و اضربوهن» و إن ذكرت معا وعطف بعضها على بعض بالواو فهي أمور مترتبة تدريجية: فالموعظة، فإن لم تنجح فالهجرة، فإن لم تنفع فالضرب،و يدل على كون المراد بها التدرج فيها أنها بحسب الطبع وسائل للزجر مختلفة آخذة من الضعف إلى الشدة بحسب الترتيب المأخوذ في الكلام، فالترتيب مفهوم من السياق دون الواو."
وكذا يقول الطبري "الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِع وَاضْرِبُوهُنَّ } قَالَ : تَهْجُرهَا فِي الْمَضْجَع , فَإِنْ أَبَتْ عَلَيْك فَاضْرِبْهَا ضَرْبًا غَيْر مُبَرِّح ; أَيْ غَيْر شَائِن .", عَنْ عَطَاء , قَالَ : قُلْت لِابْنِ عَبَّاس : مَا الضَّرْب غَيْر الْمُبَرِّح ؟ قَالَ : بِالسِّوَاكِ وَنَحْوه " لَا تَهْجُرُوا النِّسَاء إِلَّا فِي الْمَضَاجِع , وَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْر مُبَرِّح " يَقُول : غَيْر مُؤَثِّر"، ويؤيد "تفسير الجلالين" هذا المعنى أيضا .
ورغم اتفاق أئمة المسلمين الشيعة والسنة على ورود الضرب بمعناه الصريح ، وإن اختلفوا في تحديد " درجاته وادواته " ولكنهم اتفقوا على إن الضرب هو الوسيلة المقررة من الله صراحة لغرض إرجاع المرأة الى صوابها المفقود دائما ، وبتدرج يثير الانتباه الذي يبدأ من الموعظة وهجر المضاجع الى الضرب .
نقول رغم اتفاق الفقهاء على الضرب كعقاب إلهي صريح ، يأتينا باحث آخر وهو " د . نظمي خليل أبو العطا" الذي سيجهد نفسه في البحث عن مفردة" ضرب" وتعدد معانيها في القرآن إذ يقول" أن مشتقات لفض الضرب في القرآن ستة عشر وجها وهي كما يلي :
1- { وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا } [النحل : 76]، 2- { وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ } [النساء : 101] ، 3 - { فَضَرَبْنَا عَلَى آَذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا } [الكهف : 11] ، 4 - { أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا أَنْ كُنْتُمْ قَوْمًا مُسْرِفِينَ } [الزخرف : 5] ، 5- { كذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ } [الرعد : 17] ، 6- { وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ } [النور : 31]، 7- { أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا } [ط-ه : 77] ، 8- { فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ } [الأنفال : 12] ، 9- { وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ } [البقرة : 61]، 10- { وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ } [ص : 44] . 11- { فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ } [محمد : 4]، 12- { فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ } [الحديد : 13]، 13- { وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ } [النور : 31]، 14- { فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ } [محمد : 27]، 15- { فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ } [البقرة : 60]، 16- { فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ } [الصافات : 93]". ليصل الباحث الى قناعة مفادها أن " المعنى المناسب لكلمة الضرب في سياق فض النزاع بين الزوجين هنا هو الإصلاح والوفاق هو الهجر في البيت بعد الهجر في المضجع !" ويضيف " أن القرآن الكريم لم يعبر بلفظ ( الضرب ) ولكن عبر بلفظ الجلد ( بفتح الجيم وتسكني اللام ) حين قصد إلى الأذى الجسدي بقصد العقاب أو التأديب كما في قوله تعالى : { الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ } [النور : 2] وذلك من الجلد ( بكسر الجيم وتسكين اللام ) لأنه موضع الإحساس بالأذى والألم الخارجي ،وهو المقصود بالضرب. وهنا نلاحظ التباسا وتخبطا واضحين في تأويل د. نظمي، إذ لورجعنا للمقارنة مع نصوص أخرى واردة في القرأن تفيد معنى العقاب والثواب للإنسان معا، مثل تعدد الزوجات، ومُلك اليمين وعدم تحريم العبودية وأمتلاك الجواري... الخ، ولم يستطع أحدٌ أن يؤول هذه السماحات والمكرمات والمباحات من الله لعبيده"المسلمين" بغيرماوردت بهذا الوضوح والصراحة !!.
أما الدكتور الدكتور صادق إطيمش فهو لا يريد ليّ عنق الحكاية القرآنية كصاحبه الأكاديمي ويخرج عن إجماع المفسرين الذين تعرضنا لهم ، فيذهب الى القول "وفيما يتعلق بمصطلح " وإضربوهن " الوارد في القرآن والمشتق من المصدر " ضَرَبَ " فقد تباينت ألآراء حول تفسيره , بالنظر لما يتضمنه هذا المصدر من معان كثيرة مختلفة المضمون وردت في القرآن أيضآ . فالفعل ضرب قد يعني ألضرب " أي الترحال " في ألأرض , وقد يعني ضرب النقود , كما أنه يعني التدابير والإجراءات الصارمة من جهة ضد جهة أخرى , ويعني أيضآ إستعمال اليد أو العصى أو أي شيئ آخر من قبل شخص ما ضد شخص آخر او ضد حيوان أو نبات . وهنا لابد لنا من التعليق على هذه الآراء بالقول أن خلق التبريرات والتفسيرات التي توحي بغير المعنى الذي أراده النص فعلآ والذي يأتي في سياق إجراءات عقابية ضد المرأة التي تُتهم من قبل زوجها بالنشوز , إن هذه التفسيرات والتبريرات لا حاجة لها بغية أللف والدوران على المعنى المراد بهذا المصطلح الوارد في القرآن والذي يُراد به العقاب"، ولكن الباحث يتلمس عذرا للنص الالهي بقوله" إنه لمن ألأفضل هنا أن يُصار إلى تفسير هذا النص بالمعنى العقابي المراد له فعلآ في هذا السياق وإلى شرح ذلك على إعتبار أن مثل هذه العقوبات التي كانت تتعرض لها المرأة في المجتمع القديم تقع ضمن السياق الإجتماعي الطبيعي المعمول به آنذاك والذي تغير اليوم إستنادآ إلى تطور المجتمعات التي أصبحت تنظر إلى نصوص كهذه نظرة مقدسة لكنها لا تعمل بها لأسباب عدة تفرضها الحالة ألتي بلغها المجتمع في تطوره . ويمكن مقارنة هذا النص بنصوص أخرى أصبحت في عداد النصوص المقدسة غير المعمول بها في الوقت الحاضر , كأداء فريضة الحج مشيآ على ألأقدام أو على ألجٍمال كما جاء في النص القرآني "، أي أن الباحث هنا يُعطل العمل بالنص نظرا لتطور المجتمعات وترفعها عن استعمال هذه الوسيلة الوحشية ولكنه لايتردد في نعت النص ب" المقدس" !! فأي مقدس هذاالذي لا يستشرف حاجات الانسان المستقبلية ولاسيما أنه نص مثنزل من مُرسل كلي العلم والقوة القدرة " الله".!!
4
ما قاله الُمرسل الأول" الله" في رسائلة السابقة
جاء في سفر التكوين وهو أول أسفار العهد القديم في الاصحاح الثاني من العدد 21 -24 حول علاقة الزوج بزوجته مايلي: " فأوقع الرب الاله سباتا على آدم فنام فأخذ واحدة من أضلاعه و ملأ مكانها لحما و بنى الرب الاله الضلع التي اخذها من آدم امراة و احضرها الى ادم ،فقال آدم هذه الآن عظم من عظامي و لحم من لحمي هذه تدعى امرأة لانها من امرء أُخذت، لذلك يترك الرجل أباه وأمه و يلتصق بامراته و يكونان جسدا واحدا". وفي موقع أخر من العهد القديم جاء في سفر عاموس الاصحاح الرابع 2 مايلي " قد أقسم السيد الرب بقدسه هوذا أيام تأتي عليكنّ ياخذونكنّ بخزائم وذرّيتكنّ.، أو ماجاء في عقاب المرأة التي تزني" يخرجون الفتاة الى باب بيت ابيها ويرجمها رجال مدينتها بالحجارة حتى تموت لانها عملت قباحة في اسرائيل بزناها في بيت ابيها.فتنزع الشر من وسطك"، او في سفر لاويين الاصحاح 21 : العدد 9 " واذا تدنست ابنة كاهن بالزنى فقد دنست أباها، بالنار تحرق ".
أما في العهد الجديد فنرى تطورا هائلا في النظرة الى العلاقة الزوجية والمرأة عموما وأول ما يتبادر الى أذهاننا دفاع المسيح عن المرأة الزانية والتي جُلبت للرجم فقال قولته الشهيرة " من كان منكم بلاخطيئة فليرجمها بحجر"، أو كما جاء في إنجيل متى الاصحاح 19 العدد 3-6 " وجاء اليه الفريسيون ليجربوه قائلين له: هل يحلّ للرجل أن يطلّق أمرأته لكل سبب؟ ، فأجاب وقال لهم : أما قرأتم أن الذي خلق َ من البدء خلقهما ذكرا وأنثى؟ وقال : من أجل هذا يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بأمرأته ويكون الاثنان جسدا واحدا، أذا ليس بعد أثنين بل جسد واحد، فالذي جمعه الله لا يفرقه إنسان" . أو في رسالة بولس الاولى الى اهل كورنثوس: الاصحاح 7 العدد 11- 10 " اما المتزوجون ، فاوصيهم لا أنا بل الرب ، ان لا تفارق المرأة رجلها ، وإن فارقته فلتلبث غير متزوجة ، او لتصالح رجلها، ولا يترك الرجل أمرأته "
و كذلك ماجاء في رسالة بولس الى أهل أفسس الاصحاح 5 العدد 22- 25" أيها النساء أخضعن لرجالكن كما للربّ، لان الرجل هو رأس المرأة كما أن المسيح أيضا رأس الكنيسة ، ... أيها الرجال أُحبوا نساءكم كما أحبَّ المسيح أيضا الكنيسة وأسلَم َ نفسه لأجلها" .
وذا ما عدنا الى فرضيتنا الأولى بوجوب نضج النص اللاحق على السابق أوأحقيته في المصداقيته على الاقل ، وهذا ما تؤيده ايضا الدراسات في مجال " الادب المقارن" وتبيان" التأثر والتأثير". فما بالنا بالنص المفترض الألوهية ومدى كماله عبر تراتبية زمنية ؟ فأذا ما أتينا الى سياق النصوص المقدسة اليهودية والمسيحية والتي تتمثل في الكتاب المقدس وتحديدا في العهد الجديد المتمثل في الأناجيل الاربعة " متى، مرقس، لوقا، يوحنا، وأعمال الرسل والرسائل وصولا الى سفر الرؤيا "، فلا نجد أيّ مظهر لعقوبة جسدية صريحة " كالضرب" ، واذا ما تصفحنا بعض الاسفار التي تشير وجود عقوبات قاسية على المرأة في العهد القديم فسوف نرى هذه المفاهيم قد إختفت كليا في العهد الجديد " عهد يسوع"، وهناك مواقع في الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد تدل على تطور محسوس في نضج الرؤيا لدور المرأة وتحديدا في وجودها في إطار عقد الزواج خصوصا ‘ الذي يفترض اصلا ككل العقود الاجتماعية والمدنية والاقتصادية ، بوجود قطبي العقد وما لهما من حقوق وواجبات في معادلة كفيها الرضا والقبول من الطرفين ، والتي أضاف لها العهد الجديد شرط القداسة لاتمام عقد الزواج وضمان إستمراريته ، فهل نجد في شريعة الزواج وفقا للقرآن تطورا ونضجا أعلى من النصوص السابقة ؟ أين نجد وجوب ضرب المرأة في عهد تعاليم يسوع المسيح وما كتبه التلاميذ بعده ؟علماً بأن المسيح قد صرح في إنجيل متى [ 5 : 17 قائلاً : لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأُلْغِيَ الشَّرِيعَةَ أَوِ الأَنْبِيَاءَ. مَا جِئْتُ لأُنقض، بَلْ لأُكَمِّلَ. والمفترض أن أيّ خطاب من المرسل الاصلي " الله " سيكون بالتأكيد اكثر تفهما لقدرات " المتلقي" الذي يعيش تطورا عقليا يليق به أن يقرأ رسالة ناضجة عما سبقها ، فهل "الضرب " كعقوبة وسلاح بيد الرجل ضد المرأة - ، الذي أردنا أن نناقشه هنا فقط ، هو الوسيلة " الالهية" الاكثر نضجا لمعالجة المشاكل الزوجية في الأسرة !!؟؟. واذا ما قيل ويقال بأن القرأن جاء والعرب يعيشون في ظلمة حالكة وجهل مطبق يقتلون بناتهم عند الولادة" الوأد" ، ويظلمون النساء كثيرا ، وجاء القرأن لرفع الحيف عن المرأة ، فهو قول مردود في أكثر من جانب،: أولا : ان خرافة العرب الذين كان يعيشون في بحيرة الظلام والجهل لا تنطلي على أحد بعد ان إطلعنا على التاريخ الحضاري المهم للعرب والاقوام الاخرى قبل الاسلام وعرفنا ما أنتجوه من فنون وعلوم وآداب وشرائع وحقوق مدنية اكثر تطورا مما يدعيه القرآن ، وثانيا أن مقارنة تعاليم القرآن حصرا بالعرب يعني انه كتاب مخصص لهؤلاء القوم ولا حجة له على الاقوام والشعوب الاخرى التي كانت متقدمة جدا وخصوصا تلك التي تحصنت بالكتب السماوية مثل اليهود والمسيحيين. ثم أن القرآن لو كان مكملا لمنطوق الرسالات السماوية كما يدعي " المفسر الاسلامي" فالاجدى ان يكون قد حمل فعلا تطورا معقولا ونهائيا لكافة المشكلات البشرية ومنها التعامل مع المرأة واجازة ضربها صراحة وعلنا وبنص صريح لا يمكن لكل التلفيقات التفسيرية ان تخفّف وطأته على " المتلقي" العالمي والمرأة في العصر الحديث تحديدا!.
خلاصة
وأخيرا يمكن أن نستنتج بيسر إن الخطاب القرآني كان رسالة محمدية صرفة إجتهدت في تقديم الحلول والمعالجات لواقع الحاضنة التي نشأت فيها الرسالة ومنها إستمدت جهازها المفاهيمي وسلطتها ومشروعها الكامل في التعامل مع التحديات المطروحة أمامها في ذاك الزمان والمكان المتعينين ، دون الأخذ بنظر الاعتبار سلسلة التطور في رسائل المرسل الاول" الله" الى المتلقين في عموم الكرة الارضية ، والذين شملهم خطابه في رسائلة السابقة، بوضوح تطورها ونضجها الذي لم نجد له أثرا في هذه القضية " ضرب المرأة" التي كانت محل دراستنا هنا ، آملين أن نقوم بمحاولات أخرى لتطبيق نفس الفرضية على الكثير من القضايا التي تصدى لها القرآن في المجالات الاجتماعية والاقتصادية والفكرية المختلفة