غياث نعيسة
2008 / 9 / 28
مثال موقف الماتسبن
في الوقت الذي يتعرض فيه النضال الفلسطيني ، نتيجة تضافر عوامل داخلية وإقليمية ودولية ، إلى تراجع واضح لتأثير اليسار الاشتراكي فيه ، بل إلى حالة من شبه الاضمحلال له. عانى فيه هذا النضال ، الذي شهد سلسلة من الهزائم الجوهرية ، على مدى ثلاثة عقود، قامت بها قيادة منظمة التحرير الفلسطينية من خلال مسيرة انحطاطها وشكلت اتفاقية أوسلو منعطفا لها ، ساهمت بإجهاض واحدة من اعظم انتفاضات شعوب المنطقة ، ليقف اليسار العربي عموما والفلسطيني خاصة أمام معضلة كبيرة هي كيفية الخروج من حالة "استقطاب" و ثنائية أن الطرفين الرئيسيين المهيمنين على قيادة النضال الفلسطيني هما اليوم ، بالطبع دون وضعهما على قدم المساواة : السلطة الفلسطينية العميلة للاحتلال ، التي لا تحظى إلا بالدعم الصهيوني - الإمبريالي وشرائح الكومبرادور والفساد الفلسطينية من جهة . و في مواجهتها حركة حماس التي ما تزال، رغم تراجعاتها العديدة وبرنامجها الاجتماعي المحافظ ونزوعها البنيوي الشمولي ، تحمل نداء مقاومة الاحتلال الصهيوني وتحظى بدعم جماهيري لا شك فيه ، ولكن برنامجها وممارساتها رجعيان، من جهة أخرى . وهذا لا يعني أبدا المساواة بينهما ، مرة أخرى . لأن السلطة الفلسطينية العميلة للاحتلال تشكل عاملا مدمرا لطاقة مقاومة الاحتلال لدى الشعب الفلسطيني بالتحالف مع الدولة الصهيونية. بينما ينوس ما تبقى من اليسار بينهما ، أو يبقى هامشيا.
ويسود اليوم حوارات حول الرؤى الاستراتيجية لحل القضية الفلسطينية ، من اطروحات الدولة الديمقراطية الواحدة إلى الدولة الديمقراطية ثنائية القومية أو حل الدولتين و.. وغاب- تقريبا- الموقف اليساري الاشتراكي ليس فقط على صعيد الواقع والممارسة بل حتى على الصعيد الفكري والموقف.
لا يمكن لليسار الاشتراكي النضالي في منطقتنا أن يطرح موقفه من القضية الفلسطينية دون الاطلاع على ميراثه في العقود الماضية وإخضاعه لمبضع النقد و من منظور ما أكدته أو نفته الوقائع الجديدة للعالم منها . ولا يمكنه أن يفعل ذلك دون أن يكون له تواجد تنظيمي ملحوظ و الأهم من ذلك أن يكون له نفوذ جماهيري واضح. في هذا الإطار تأتي ترجمتنا للمبادئ الأساسية لمنظمة الماتسبن( وهي منظمة اشتراكية ثورية صغيرة تأسست في الستينات وتلاشت في الثمانينات وضمت في صفوفها مناضلين عرب ويهود وتميزت خلال هذه السنوات بنشاط نضالي بارز ضد الدولة الصهيونية) ، كمساهمة لأن يخطو اليسار الجذري في منطقتنا خطوة أخرى نحو الأمام على هذا الطريق الشاق من أجل تحرير فلسطين الذي يتطلب تحطيم الدولة الصهيونية والأنظمة البرجوازية العربية. ويطرح كحقيقة أولى من اجل تحقيق هذه المهمة انتفاضات عمالية وجماهيرية عارمة على امتداد المنطقة.
غياث نعيسة
27 أيلول/ سبتمبر 2008
المبادئ الأساسية
للمنظمة الاشتراكية الإسرائيلية ( الماتسبن )
تم إقرارها في عام 1973 وتم تعديلها في عام 1978
1
المنظمة الاشتراكية في إسرائيل ( الماتسبن ) هي تجمع طوعي للاشتراكيين الثوريين الذين يناضلون ، وفق النظرية الماركسية للعالم ، ضد كل أشكال الاستغلال والاضطهاد الذي يتعرض لهما أي فرد من قبل أي فرد آخر ، ومن اجل ثورة اشتراكية عالمية تقوم بإلغاء الأنظمة الاجتماعية- السياسية القائمة ( المبنية على أساس الاستغلال والقمع) وتبني مجتمعا لا طبقيا متشاركا من أفراد أحرار ، يدير بشكل جماعي و واعي سيرورة الحياة الاجتماعية ، ويخلق ويلائم الثروة الاجتماعية بشكل مشترك.
2
لا يقوم بالثورة الاشتراكية مجموعة من الأفراد البارزين أو أقلية متميزة ، بل تقوم بها الجماهير المستغلة و المضطهدة في كل البلدان ، وهي ثمرة نضالهم. و ترتبط الاشتراكية تاريخيا وعلى الصعيد العالمي أساسا بنهوض ونضال الطبقة العاملة الحديثة . الطبقة العاملة تعني الجماهير الشعبية التي تضطر إلى بيع قوة عملها من اجل أن تعيش. وهي الطبقة الوحيدة التي لا يمكن أن تحقق تحررها دون إلغاء المجتمع الطبقي على الصعيد العالمي. إنها الطبقة التي بفضل وظيفتها في آليات المجتمع الحديث القائم كما هي عليه على عملية الإنتاج الجماعي ، مما يسهل عليها التوصل إلى إدراك وضعها الخاص و سبب الاضطهاد الذي تتعرض له ، و يدفعها إلى أن ترتبط مع المجموعات المستغلة الأخرى من اجل النضال الثوري المشترك، وان تنظم معها سوية حياة المجتمع الاشتراكي بعد انتصار الثورة.
3
يتعرض النظام الرأسمالي في البلدان الصناعية المتطورة في الغرب للترنح . فقد رافق صيرورة تطور الرأسمالية ارتفاع لا سابق له للإنتاج الاجتماعي ، يستند على تطور العلوم والتكنولوجيا ، و طورت الرأسمالية أساليب إنتاج تتطلب تعاون وثيق لجماهير من البشر وجعلت من الممكن خلق وفرة بلا حدود ، وبتوسعها على صعيد العالم كله ، فان الرأسمالية خلقت نظاما عالميا يربط بين كافة البشر عبر العالم بروابط متبادلة و وثيقة. لكن هذا التطور يقوم على استغلال جماهير واسعة من البشر المحرومين من أي قدرة على السيطرة على سيرورة عملهم و وسائل عملهم ونتاج عملهم ، و بالتالي فهم محرومين من السيطرة على كامل السيرورة الاجتماعية. تأخذ منتجات العمل البشري في النظام الرأسمالي شكل البضائع ، يمكن شراء و بيع كل شئ ،من وسائل العيش ووسائل العمل بل وحتى عضلات و أدمغة البشر .
إن قوى المجتمع البشري ومنتجات عمله لا تخضع لسيطرة أفراده ، بل على العكس ، فإنها تواجه البشر وكأنها غريبة عنهم وكأنها قوى معادية ومسيطرة عليهم.
و مع تحولها إلى نظام عالمي خلقت الرأسمالية نظاما إمبرياليا يستعبد ويستغل جماهير " العالم الثالث" ويفاقم من تخلفه المادي مقارنة بالبلدان المتطورة .
إن الرأسمالية هي العدو الأول للثورة الاشتراكية : فالثورة تسعى إلى الإطاحة بالرأسمالية والأخيرة تحاول منع وسحق الثورة .
4
انتصرت ثورة عمالية في روسيا عام 1917 ، لكن مجالس العمال والفلاحين والجنود لم تستمر في السلطة ، بل على العكس فقد قامت شريحة بيروقراطية باستلاب السلطة ممركزة بين أيديها السيطرة الفعلية على الإنتاج الاجتماعي وعلى كامل المجتمع . و لا يوجد في النظام الذي أقامته البيروقراطية إنتاج شامل للبضائع ولا ملكية خاصة لوسائل الإنتاج الأساسية ، لكن تتعرض فيه الجماهير العاملة إلى الاستغلال والاضطهاد ، والى الإبعاد عن السيطرة على عملها ووسائله و ناتجه بل وعن السيرورة الاجتماعية ككل.
وتم إقامة أنظمة بيروقراطية شبيهة بعد الحرب العالمية الثانية في عدد من البلدان الأخرى. واصبح هدف السياسة الخارجية لهذه الأنظمة هو تحسين أوضاعها على الساحة الدولية وليس دعم النضال من اجل الانتشار العالمي للثورة الاشتراكية.
والنظام البيروقراطي القمعي هو أيضا عدو للثورة الاشتراكية. والنضال الثوري لجماهير العمال في هذه البلدان هو جزء من سيرورة الثورة الاشتراكية العالمية.
5
تعاني بلدان "العالم الثالث" من الهيمنة الإمبريالية ، وفي اغلب الحالات في شكلها الاستعماري الجديد ، تعاني منها بواسطة الطبقات الحاكمة المحلية، والتي هي مجرد شركاء ثانويين للاستغلال الإمبريالي. ويمكن لشعوب هذه البلدان تحقيق التحرر الوطني الكامل وتخليص أنفسهم من براثن الاستغلال الإمبريالي فقط عبر ثورة دائمة تجمع وتربط بشكل وثيق بين مهمات الثورة الوطنية-الديمقراطية و مهمات التحرر الاجتماعي للجماهير العاملة . ويوجد في غالبية هذه البلدان طبقة واسعة من فقراء الفلاحين ، التي تشكل الحليف الطبيعي للطبقة العاملة في صراعها الثوري.
6
وباعتبار أن العالم الحديث اصبح نظاما واحدا مترابطا ، وان الطبقات الحاكمة و الغنية في كل البلدان لها مصالح مترابطة في مواجهة الثورة الاشتراكية ، فان الواجب الأعلى للاشتراكيين الثوريين هو العمل من اجل التضامن الأممي المتبادل، وتقديم الدعم الرفاقي لنضال كل ضحايا الاستغلال والاضطهاد . وضد الاستغلال والاضطهاد القائم على أساس طبقي أو جنسي أو قومي أو عرقي أو ديني.
7
ونعتبر أن النضال ضد اضطهاد المرأة في المجتمع والعائلة يشكل جزء أساسي من النضال من اجل الاشتراكية ، وأيضا النضال ضد الاضطهاد القائم على النوع والعمر داخل شكل العائلة الاستبدادي القائم ، والتي تشكل خلية ونموذجا مصغرا للمجتمع الطبقي القمعي.
8
و لأن الجماهير العمالية ، بالرغم من قابليتها - بسبب وضعها- لامتلاك الوعي الثوري ، لكنها لا تمتلكه بشكل آلي أو بنفس الوتيرة . فانه يقع على عاتق الاشتراكيين في كل البلدان أن يتوحدوا في منظمات ثورية من اجل نشر الوعي الثوري في أوساط الجماهير ، وان يقدموا الدعم لنضال الجماهير والتعلم منها ، وان يبلوروا استراتيجية اشتراكية ثورية متكاملة وتطبيقها من خلال دفع النضالات والعمل على توحيد وتنسيق النضال العفوي الذي يندلع في قطاعات جزئية ، وان يوقظوا لدى العمال وعي التضامن الأممي .
و على المنظمة الثورية أن تشجع مظاهر المبادرة الذاتية والتنظيم الذاتي والنشاط الذاتي للجماهير في نضالها الثوري. وان تنشر الوعي بقدرة الشعب على الإمساك بمصيره وإدارة العملية الاجتماعية بشكل مستقل.
كما على المنظمة الثورية أن تساعد سيرورة التحرر الذاتي الفردي والاجتماعي في كل خلية من خلايا الحياة الاجتماعية ونسف علاقات ونظام قيم التسلط التي تهيمن في المجتمع الراهن . إن دور المنظمة الثورية ليس الانقضاض والإمساك بالسلطة السياسية ، بل دورها هو العمل بأقصى طاقاتها من اجل إقامة واستمرارية سلطة المجالس المنتخبة من الجماهير . إن سلطة المجالس هي العلامة والخطوة المميزة والحاسمة للثورة الاشتراكية.
9
المجالس هي شكل من أشكال التنظيم الذاتي للجماهير : على مستوى أماكن العمل فان دورها هو إدارة عملية الإنتاج في كل مصنع وفق التخطيط المركزي الذي تحدده هو نفسه الجماهير من خلال مجالسها . وفي المرحلة الأولى فان دورها سيشمل أيضا مهمة تنظيم الجماهير للدفاع عن الثورة في مواجهة المحاولات المضادة للثورة التي قد تقوم بها بقايا الطبقات صاحبة الامتيازات. و سلطة المجالس بطبيعتها لا يمكن أن تكون حكم للأقلية في مواجهة الأغلبية ، بل هي الشكل الأكثر ديمقراطية لمشاركة الجماهير في إدارة العملية الاجتماعية ككل .و تنتخب المجالس ديمقراطيا على الصعد المتعددة( المصنع ، المحافظة ... وصولا إلى مجلس البلاد ككل) والأعضاء المنتخبين في المجلس لا يتمتعون بأي امتياز ، ويمكن إزاحتهم من قبل منتخبيهم في أي وقت.
10
إن مجال نشاط الماتسبن هو النضال ضد النظام القائم في إسرائيل ، هذا النضال يعبر عن المصالح التاريخية للطبقة العاملة وكل المأجورين والمستغلين في إسرائيل ، و نعتبر الدفاع عن و تحسين مستوى معيشة و ظروف العمال كجزء من النضال من اجل الاشتراكية . و من الوسائل الهامة في هذا النضال ، هو سعي الماتسبن إلى إنشاء نقابات مستقلة ونضالية للعمال . ، بعكس حال الهستدروت الذي يخضع مصالح العمال لخدمة الدولة الصهيونية. ،هذه النقابات لن يشرف عليها بيروقراطيون محترفون بل ممثلون عن العمال منتخبين في أماكن العمل .
النضال ضد النظام يبرز ويرافق نضال مجموعات السكان من اصل ميزراحي ، الذين ينتمي أغلبيتهم إلى الشرائح الاجتماعية المستغلة ، و ضد كل أشكال التمييز الاقتصادي والاجتماعي والثقافي ، وأيضا مع نضال الشعب الفلسطيني في إسرائيل ، والذي تشكل غالبيتهم الشرائح الأكثر استغلالا ، ضد التمييز العنصري والاضطهاد القومي الذي يمارسه النظام القائم بحقهم.
11
إن مبادئنا الاشتراكية تجعلنا نقف بشكل لا يقبل المساومة ضد الصهيونية . و نحن نعتبر الصهيونية مشروع استعماري ، تحقق على حساب الجماهير العربية ، و بالدرجة الأولى على حساب الشعب العربي الفلسطيني ، تحت رعاية الإمبريالية و بشراكة معها ، كما أن الصهيونية تتعارض مع مصلحة الجماهير العاملة المستغلة في إسرائيل ، لأنها تزجها في صراع تاريخي مع جماهير الشرق العربي كله. ليست دولة إسرائيل في شكلها الصهيوني الراهن مجرد نتاج للمشروع الصهيوني فحسب ، بل هي أيضا أداة ازدياد توسعها وانتشارها . إن الماتسبن تقدم دعمها وتضامنها مع نضال الشعب العربي الفلسطيني ضد الاضطهاد والحرمان من حقوقه الإنسانية والقومية الذي تمارسه الصهيونية عليه.
12
إن حل القضايا الاجتماعية والقومية في منطقتنا هذه ، بما فيها قضية النزاع العربي-الإسرائيلي ، يمكن أن يتحقق فقط من خلال ثورة اشتراكية في هذه المنطقة ، تقوم بالإطاحة بكل الأنظمة القائمة واستبدالها باتحاد سياسي للمنطقة بقيادة العمال.
في هذا الشرق العربي المتحرر والموحد ، سيتم ضمان حق تقرير المصير ، ومنها الحق في دولة منفصلة، لكل من القوميات غير العربية في المنطقة ، ومنها القومية الإسرائيلية-اليهودية .
وتناضل ماتسبن : كجزء من النضال من اجل هذه الثورة ، في سبيل الإطاحة بالنظام الصهيوني ومن اجل إلغاء كل مؤسساته وقوانينه ولوائحه وممارساته وكل ما كان يقوم عليه. و تدعو الماتسبن إلى العيش المشترك بين العرب واليهود ، يقوم على أساس المساواة الكاملة ومن اجل دمج شعبي هذا البلد ، الإسرائيلي- اليهودي والعربي الفلسطيني ، ضمن الاتحاد الإقليمي الاشتراكي ، وعلى أساس الاختيار الحر. وتعمل الماتسبن من اجل تنمية الوعي الأممي لدى الشعبين ، مما يسمح بجعل هذا الاندماج ممكنا.
13
وعلى أساس هذه الأهداف ، فان الماتسبن تدعو إلى إقامة استراتيجية مشتركة وتوحيد نشاط كافة القوى الاشتراكية الثورية في هذه المنطقة.
14
هذه المبادئ تشكل مرجعية الماتسبن . يمكن قبول الأعضاء الجدد عبر إجراء ديمقراطي لخلايا المنظمة ، وفق معيار قبول الأعضاء المرشحين بهذه المبادئ ومدى استعدادهم للنضال من اجلها.
إن أعضاء الماتسبن يعملون من اجل تقدم الثورة ، إن كان على الصعيد الفردي في كل مجال من مجالات الحياة الاجتماعية التي يشارك فيه أعضاء المنظمة ، أو بشكل جماعي داخل المنظمة.