الحزب الشيوعي
من التأسيس وحتى المؤتمر الثاني
مقدمــة:
بعد 25 عاماً على انعقاد المؤتمر الأول للحزب الشيوعي اللبناني، وفي مقدمة النظام الداخلي للحزب، الذي أقره مؤتمره الثاني، تمت إعادة تحديد هوية الحزب(1)، والأساس النظري الذي يعتمد عليه(2)، وكذلك الهدف الأساسي الذي يسعى لتحقيقه(3).
تقول المقدمة:
1 - "الحزب الشيوعي اللبناني هو حزب الطبقة العاملة، حزب الفلاحين، والمثقفين الثوريين، والكادحين اللبنانيين جميعاً. وهو من حيث بنيته، يؤلف اتحاداً طوعياً كفاحياً بين الشيوعيين الذين يناضلون معاً من اجل قضية الاشتراكية".
2 - "والأساس النظري الذي يبني عليه الحزب نشاطه هو الماركسية اللينينية" (...) التي " تضع في وقت واحد: مفهوماً علمياً للعالم، وطريقة منهجية لتحليل الواقع، ومرشداً يغتني دائماً بمنجزات العلم، وبتجارب نضال الجماهير الكادحة في بلادنا وفي العالم أجمع"...
3 - أما الهدف الأقصى والأساسي للحزب، فهو "القضاء على النظام الرأسمالي وديكتاتورية البرجوازية، لبناء مجتمع اشتراكي ينتفي فيه استثمار الإنسان للإنسان".
أولاً: الظروف التي حتمت ولادة الحزب:
1 - النضال التحرري العربي العام، بعد التخلص من السيطرة العثمانية :
- حلول السيطرة الإمبريالية الفرنسية وإنكليزية محل العثمانيين.
- ارتباط هذه السيطرة الجديدة مع برنامج بعض فئات الإقطاع والبرجوازية التجارية اللبنانية.
هذا الوضع تطلب نشوء قوة سياسية تمثل الأهداف التحررية الجذرية (الاستقلال على كافة مستوياته)، وتستند إلى الجماهير وتعمل على تعبئتها لإنجاز المهمة.
2 - التغيرات على المستويين الاقتصادي والاجتماعي :
هذه التغيرات (الناتجة عن حلول الإمبريالية الفرنسية بدلاً من التسلط العثماني في كل من سوريا ولبنان) تتصف بجذريتها وتتلخص بثلاث ظاهرات أساسية :
- ازدياد دور الاحتكارات الفرنسية في البلاد (معامل التبغ، سكة الحديد، المرفأ).
- تطور في دور البرجوازية اللبنانية باتجاه الشراكة مع رأس المال الفرنسي.
- نمو الطبقة العاملة عددياً (تطور الصناعات وتمركزها في العاصمة) ومن حيث الموقع، خاصة بعد قيام التنظيمات النقابية وبدايات نضالها (ابتداء من العام 1912 : جمعية شركة سكة الحديد في بيروت - جمعية عمال المطبعة الأميركية في بيروت).
-
3 - على المستوى السياسي :
أدت السيطرة الفرنسية إلى أحداث تغيرات في طبيعة الحياة السياسية اللبناني.
تجلت هذه التغيرات في :
- إقامة دولة تعبر عن المصالح السياسية والاقتصادية لفرنسا.
- هذه الدولة طبعت، منذ نشوئها، بطابع طائفي فئوي : برزت، منذ تلك الفترة، "المارونية السياسية" كظاهرة تؤكد أرجحية الهيمنة الفئوية (الطائفية) المرتبطة بالإمبريالية الفرنسية.
- ترافق كل ذلك مع بروز ظاهرة "الإقطاع السياسي".
4 - على المستوى الفكري :
كانت ولادة الحزب نتيجة منطقية للأثر الكبير الذي طبعت به "ثورة أوكتوبر" الحياة السياسية والفكرية في العالم العربي، من خلال :
- تحطيم هذه الثورة للعلاقات الاستعمارية في مستعمرات روسيا القيصرية (وأثر ذلك على الشعوب المستعمرة، ومنها شعوب الشرق).
- فضح أطماع الدول الإمبريالية في المنطقة، عبر نشر نص معاهدة سايكس - بيكو (وملاحقها).
- النداء الذي وجهه لينين إلى العرب، وتأكيده على دعم الدولة السوفياتية لنضالهم التحرري.
ثانيا : نشأة الحزب الشيوعي ومساره النضالي طيلة 50 عاماً :
1 - في 24 تشرين الأول 1924، ولد "حزب الشعب"، أو الصيغة العلنية للحزب الشيوعي اللبناني (الهدف من التسمية الأولى كان، بالطبع، الحصول على ترخيص من السلطات الإمبريالية الفرنسية، أو ما كانت تسمى بـ"سلطات الانتداب").
الإعلان تم في إجتماع عقده عمال ومثقفون في أحد ضواحي بيروت، في الحدث من هؤلاء العمال فؤاد الشمالي (الذي كان قد اكتسب تجربة شيوعية في مصر)، والمثقف الاشتراكي يوسف ابراهيم يزبك.
إذاً : ولد "حزب الشعب"، أو الوجه العلني للحزب الشيوعي اللبناني، نتيجة تطور الطبقة العاملة واقتناع قيادييها البارزين بضرورة أن تلعب هذه الطبقة دورها المستقل في الحياة السياسية اللبنانية، عبر وجود قيادتها السياسية المستقلة. وهكذا، يكون الحزب الشيوعي اللبناني قد تأسس نتيجة تطور الحركة العمالية ولقاء هذه الحركةالعمالية مع الفكر الاشتراكي.
2 - كان المسار العام للحزب الشيوعي اللبناني، منذ تأسيسه، منسجماً، إلى حد كبير، مع العوامل والشروط السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية التي كانت في أساس نشأته :
أ - في نداء التأسيس :
-"حق الشعب اللبناني، وحده، وضع الأنظمة وسن القوانين التي تسير
البلاد بموجبها".
- الانتخابات الحرة "على أساس اللاطائفية".
ب - أهداف الحزب أعلنت في بيان الدعوة للاحتفال بأول أيار (1925) :
أهداف طبقية ووطنية واضحة.
3 - وإذا كانت المحصلة العامة لنضال الحزب، حتى تفجر الحرب الأهلية (1975)، ايجابية، إلا أنه لا بد، كذلك، من الاشارة إلى سلبيات من الضروري التنبه لها في كل مرحلة وزمان، في الماضي وكذلك في أيامنا الحالية.
ثالثاً : التوجهات العامة في سياسة الحزب :
1 - التوجهات السياسية العامة التي وجهت نضال الحزب، من العشرينات وحتى أواخر الستينات، تميزت بتركيزها، في آن، على الشعارات التحررية والاقتصادية - الاجتماعية والثقافية...
· النضالات التحررية : الثورة السورية (1925 - 1927)، الاستقلال الوطني (في الثلاثينات والأربعينات، مواجهة المشاريع الاستعمارية والأحلاف الاستعمارية "حلف بغداد"...).
· النضالات الاقتصادية - الاجتماعية : تنظيم النقابات السرية (أواخر العشرينات)، الاضرابات والتحركات العمالية والفلاحية، المؤتمرات الشعبية والنقابية في المدينة والريف، قانون الانتخاب وحق الانتخاب للمرأة، التحرك من أجل قانون العمل الضمان الاجتماعي.
· تطوير النشاط الثقافي، ابتداءً من النصف الثاني من الثلاثينات : عمل واسع في صفوف المثقفين، صدور مجموعة من المجلات (الطليعة - الدهور)، الدور في الصحافة اليومية وفي الثقافة (الطريق - النداء - الأخبار - الثقافة الوطنية)، إتحاد الكتاب.
· التحرك الطلابي والتربوي في المدارس والجامعات الخاصة من أجل تطوير التعليم الرسمي وتأسيس الجامعة اللبنانية وتطور كلياتها.
2 - الحركة السياسية العامة ودور الحزب في تنظيمها :
جبهة الأحزاب والهيئات والشخصيات الوطنية والتقدمية : من الانطلاقة (بالتنسيق مع الحزب التقدمي الاشتراكي) إلى وقف النشاط (1967).
رابعاً : بعض السلبيات والاتجاهات الخاطئة والخطرة :
1 - الموقف من القضية الفلسطينية (1948) :
- الخط اليساري الانعزالي، الذي تجلى بدفع سياسة الحزب لخوض معركة مع كل الحكام العرب كونهم "ساروا في طريق الخيانة التامة".
- التراجع عن مواقف الحزب الصادرة في بيانين مشتركين مع الحزب الشيوعي السوري ( تشرين الأول وتشرين الثاني 1945) حول كيفية مواجهة قيام دولة صهيونية في فلسطين.
- الموافقة على التقسيم الأمر الذي افسح في المجال أمام قوى برجوازية لخوض معركة خاطئة (وللخيانة). وقد تم تصويب موقف الحزب في المؤتمر الثاني (1968).
2 - بدايات مرحلة العمل السري (1949 - 1953) :
هذه المرحلة أتت بعد انتخابات 1947، المزوّرة وتميزت بقمع الحركة الشعبية، وقوتها المنظمة الرئيسية، الحزب الشيوعي (وترافقت مع موقف الحزب الخاطئ من القضية الفلسطينية، وغير الواضح تجاه أسرائيل).
أهم الاتجاهات الخاطئة والخطرة، بالإضافة إلى الظروف الموضوعية الخارجية :
- المغالاة في دور قادة الحزب، وصولاً إلى بروز ظاهرة عبادة الفرد.
- تفشي العقلية البيروقراطية.
- "قلة إهتمام بتطوير منظمات القاعدة وتقويتها ورفع مستواها السياسي والنظري".
- عدم الجمع الصحيح بين البرنامج والتنفيذ في مجال العمل داخل صفوف الطبقة العاملة، وفي الحركة النقابية.
- غياب المفهوم الماركسي - اللينيني للثقافة والتثقيف الحزبي، وبقاء العمل التثقيفي موسمياً.
3 - الموقف من الوحدة (1958 - 1964) :
- الموقف : إهمال القضايا القومية وعدم رؤية طبيعتها الثورية، واعتبار القضايا القومية من اختصاص البورجوازية.
- رفض الوحدة بين مصر وسوريا، لا على أساس موقف مبدئي، إنما من خلال تنفيذنا لخطة الحزب الشيوعي السوري، بالرغم من قرار استقلال الحزبين عن بعضهما (1958)، والموقف الايجابي من الانفصال.
- الموقف من عبد الناصر (الأخطاء والايجابيات).
4 - الخط اليميني (1964 - 1967) :
- الموقف من حكومة كرامي، أو، بالأحرى، مما سمي بـ"التحالف" مع بعض ممثلي البرجوازية الوطنية (أ, "الجناح الوطني للبرجوازية" كما كان يسمى)، والدفع إلى إيقاف التحركات الاجتماعية والمطلبية لعدم إحراج الحكومة.
- المعركة الداخلية للحزب في العام 1967، وتأثيرها (السلبي) باتجاه عدم لعب الحزب دوراً جدياً خلال العدوان الإسرائيلي.
- افتقار الحزب إلى الديمقراطية : غياب كامل للمؤتمرات (طوال 25 عاماً) وتعيينات استنسابية للهيئات والأشخاص (بحجج الكفاءة والدور) ثم حل الهيئات واستبعاد الأشخاص...
- افتقار الحزب لبرنامج عمل عام، وفي كل مجال من مجالات العمل بين الجماهير.
المراجــع :
1 - وثائق الحزب الشيوعي اللبناني، وبخاصة التقرير الذي قدمته اللجنة المركزية أمام المؤتمر الثاني للحزب,
2 - الياس البواري : تاريخ الحركة النقابية في لبنان.
3 - محمد دكروب : جذور السنديانة الحمراء.
4 - بعض افتتاحيات جريدتي "النداء" و "الأخبار" قبل العام 1968 وبعده مباشرة.