مع مطلع القرن "الحادي والعشرين" يكون قد مرّ أكثر من قرن ونصف القرن على صدور "البيان الشيوعي" الذي صاغه كارل ماركس وفريدريك انغلز ليعبًر عن موقف الشيوعيين الأوروبيين وبرنامجهم (كان عددهم آنذاك ـ سنة 1848ـ في "عصبة الشيوعيين"، لا يتجاوز المئتين) في أجواء تؤذن بانتشار الإنتفاضات الديمقراطية الثورية في القارة الأوروبية.
ختم ماركس وانغلز "البيان" بالنداء الشعار المعروف، "يا عمال العالم اتحدوا"، تتويجاً لتبيانهما الدور التاريخي الجديد الذي تكتسبه الطبقة العاملة الناشئة مع التطور الرأسمالي ونزوعه التوسعي.
كتب "البيان الشيوعي" في وقت كان قد أصبح واضحاً لماركس الطابع العالمي لهذا النمط الجديد من الإنتاج، في أفق تطوره الحتمي، مفتتا ومستتبعاً كل المجتمعات التي تعتمد في وجودها على أنماط إنتاج قديمة سابقة...
واليوم، بعد أكثر من 150 سنة على صدور "البيان"، لا يمكن نكران القيمة الراهنة للتشخيص الذي قدمه ماركس وانغلز للرأسمالية، تشخيصاً يكاد ينطبق حرفياً على التوصيفات التي تحاول في أيامنا تعريف ظاهرة "العولمة" وكأنها اكتشاف جديد، على لسان القائلين بـ "موت الماركسية" وانتهاء صلاحيتها في القرن الحادي والعشرين.
جاء في "البيان الشيوعي":
"لا يمكن للبرجوازية أن تبقى في الوجود دون التثوير الدائم لأدوات الإنتاج، وهذا يعني تثوير علاقات الإنتاج، وبالتالي كافة العلاقات الإجتماعية (...)"
"إن البرجوازية التي تحركها على الدوام الحاجة الى أسواق جديدة، تجتاح الكرة الأرضية جمعاء، إذ يتوجب عليها ان تستوطن في كل مكان، وأن تستثمر في كل مكان، وأن تقيم علاقات في كل مكان".
"وهي باستثمارها للسوق العالمية تعطي الإنتاج والتوزيع في كافة البلدان طابعاً دولياً. إنها قد نزعت عن الصناعة أساسها الوطني، تاركة الرجعيين في يأس مطبق. لقد جرى ويجري يومياً تدمير الصناعات الوطنية القديمة، لتحل محلها صناعات جديدة يصبح تبنّيها أو عدم تبنّيها مسألة حياة أو موت لكافة الأمم المنخرطة في ركب الحضارة. لم تعد هذه الصناعات الجديدة تستعمل مواد اولية محلية، فهي تأتي بالمواد الأولية من مناطق بعيدة، وبتم إستهلاك منتجاتها ليس في بلد الإنتاج وحسب، بل في جميع جهات الأرض. وبدل الحاجات القديمة التي تلبيها الصناعات الوطنية تولد حاجات جديدة تتطلب تلبيتها منتجات آتية من أبعد الأقطار والأقاليم. وبدل العزلة القديمة التي كانت تلفّ المقاطعات والقوميات ذات الإكتفاء الذاتي، تتطور علاقات عالمية وتبعية متبادلة بين الأمم. وما يصح على الإنتاج المادي يصح كذلك بالنسبة الى نتاجات الفكر. وتصبح الأعمال الثقافية لأمة ما ملكاً مشتركاً لجميع الأمم. ويتضح أكثر فأكثر أن من المستحيل البقاء على ضيق الأفق القومي والإنعزالية القومية. إن من تعدد الآداب القومية يولد أدب عالمي.
رغم الراهنية المدهشة لهذا النص المأخوذ من "البيان الشيوعي" ينبغي التأكيد هنا على أن القائلين بموت الماركسية ينسون أو يتناسون أن المهم بالنسبة للماركسيين ليس قدسية النص. فليست الماركسية مجرد وصف للرأسمالية في زمن ماركس، رغم ما في هذا الوصف من نفاذ الى الجوهر. إنها منهج علمي وعملي تكوّن في النضال الديمقراطي الثوري للشيوعيين، وأثبت صلاحيته بهذه الصفة، ولا يزال، كدليل عمل وبحث ونضال.
في ضوء هذا المنهج يمكن التأكيد على أن سقوط التجربة الإشتراكية السوفياتية ـ الذي يتخذ منه دعاة "موت الماركسية" "برهاناً" على صحة إدعائهم ـ إنما يفتح المجال لتجارب أرقى، تستفيد من دراسة ونقد التجارب السابقة ـ مثلما استفاد لينين في تجربة ثورة أوكتوبر من تجربة كومونة باريس والثورة الفرنسية ودراستها واستخلاص الدروس منها ـ وذلك في ظروف جديدة مختلفة، لا يمكن التنبؤ بتفاصيلها سلفاً، ظروف يولّدها التطور الذي أثبت بسرعة فاجأت الكثيرين أنه يعمّق التناقضات التي لازمت التطور الرأسمالي، ويتكشّف عن تناقضات جديدة يمكن أن يؤدي تفجرها الى تهديد الوجود البشري في بيئته الطبيعية وطبيعته الإنسانية، إذا ما استمر إخضاع التقدم العلمي والتكنولوجي لمصالح رأسمالية فالتة من كل عقال وذات أحجام كونية لم تعهدها البشرية من قبل.
هل هذا يعني أن العالم قد دخل طوراً جديداً من التطور الرأسمالي يتخطى أطواره السابقة (ماركس ورأسمالية المزاحمة الحرة، ثم لينين ورأسمالية الإحتكارات الإمبريالية) حسب زعم دعاة الإستسلام للعولمة الرأسمالية، مكررين بذلك طروحات تعود لأواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين؟
هناك ولا شك إختلافات وتطورات هائلة، وخاصة في مجال تطور القوى المنتجة. لكن، من حيث الجوهر، لا يزال التناقض الأساسي الذي يحرك كافة التناقضات في المجتمع الرأسمالي في تطوره المتفاوت، هو هو التناقض الذي كشفه ماركس كتناقض بين القوى المنتجة وعلاقات الإنتاج.
هناك من جهة، التطور العاصف للقوى المنتجة على أساس الثورة المتواصلة في مجالات العلم والتكنولوجيا، بحيث تقفد عمليات الإنتاج المادي كل طابع فردي، أو حتى قومي، وتتجاوز حدود الدول، حتى الكبرى منها، وتكتسب الطابع الجماعي بتقسيم متجدد للعمل، وبترابط مختلف مجالاته في آن...
وهناك من جهة أخرى، البطء النسبي لحراك علاقات الإنتاج، بل وتحولها الى عقبة، لأنها تظل قائمة على التملك الفردي والإحتكاري للإنتاج.
يؤدي هذا التناقض الأساسي الى تفجير الأزمات ويحكم على ملايين متزايدة من البشر بالبطالة والتهميش وحتى الإبادة التي تطال جماعات وأقوام بكاملها. ويتعمق هذا التناقض مع الميل المتزايد الى الخصخصة وكأن الرأسمال يعتبر القطاع العام غنيمة حرب تعود له لإنتصاره في الحرب (الباردة؟) مع الإشتراكية.
يمكن التأكيد في هذا المجال، أن الحل الوحيد الممكن لهذا التناقض الأساسي، يكمن في الشيوعية، التي لا تزال، كما كانت في زمن ماركس، ماثلة على جدول أعمال البشرية، وأن الطبقة العاملة، متمثلة بفكرها ونظرتها الى العالم ووعيها وبرنامجها الديمقراطي الثوري هي ـ وليست الطغمة المالية ـ الطبقة التي تتطابق مصالحها مع مصلحة المجتمع البشري، واهدافه في البقاء والتطور السلمي، وفي الإخاء بين الأفراد والشعوب، وفي المساواة والحرية.
لقد أرغمت التطورات والوقائع دعاة "موت الماركسية" في الفترة الأخيرة على التراجع معترفين بالتسرع في إعلان أهدافهم. لكنهم تراجعوا فقط الى خطوط خلفية في مناورة تكتيكية، ليركزوا هجمومهم على لينين، إذ يبدو لهم هدفاً أسهل، لأن اسمه ارتبط مباشرة بما يتعبرونه "تجربة فاشلة" لبناء الإشتراكية، مع أنه كان قد نجح، عبر هذه التجربة، بدحض المزاعم القائلة بانتهاء صلاحية الماركسية في مرحلة الإمبريالية.
هنا أيضاً، ينبغي، منهجياً، الفصل بين التوصيف الظرفي للرأسمالية كما كانت في زمن لينين، وبين حيوية المنهج.
من الواضح، في نص ماركس المأخوذ من "البيان الشيوعي"، أن الأفق العالمي للتطور الرأسمالي، يشمل، في نظر ماركس، دائرتي الإنتاج والتوزيع على السواء. وهذا يعني أن التركيز على أهمية السوق العالمية الحرة في عولمة الرأسمال، (أي التركيز على أهمية حرية التجارة وحرية انتقال السلع، دون حواجز من حماية جمركية أو عوائق إدارية...) ليس إهمالاً لدائرة الإنتاج (حيث يتم الإستثمار المباشر للطبقة العاملة)، بل هو تأكيد على تعمق التناقض الأساسي المذكور. ومن هذا المنطلق الماركسي واجه لينين الخط الإنتهازي اليميني في الإشتراكية الديمقراطية، الخط الذي يحصر مهمة الإشتراكيين في تمكين الرأسماليين من الإضطلاع بدور قيادي تاريخي جديد مزعوم في تطوير القوى المنتجة وتقدم المجتمع وإزالة تناقضاته في المرحلة التالية على الأقل.
تصدى لينين لهؤلاء في معالجته "الظاهرة" الإمبريالية باعتبارها، في زعمهم، ظاهرة سياسية منفصلة عن دائرة الإنتاج الرأسمالي وعلاقاته المادية. وهي الظاهرة التي يجهد الفكر الرأسمالي، كما الفكر المرتد، في أيامنا، على التأكيد بأن العولمة الراهنة قد تخطتها، ولم نعد بالتالي بالحاجة الى لينين. بل يذهب المرتدون الى الزعم أن "الإشتراكية الديمقراطية" لم تكن أصلاً بحاجة الى لينين المسؤول مباشرة عما يعتبرونه "كارثة" متمثلة بثورة أوكتوبر، علماً أن الخط اللينيني آنذاك تمثل في الحيلولة دون ارتداد الإشتراكيين المناشفة اليمنيين ضد الثورة، والتواطؤ مع العدو الطبقي، لإعادة سوق الطبقة العاملة والفلاحين الى مجازر الحرب التي أشعلها الرأسماليون.
يزعم دعاة العولمة الرأسمالية اليوم، أن الدول التي كانت في السابق مضطرة لممارسة "السياسة الإمبريالية" قد تحولت الى حمل وديع، وخاصة بعد إنهيار الإتحاد السوفياتي الذي يهددها في وجودها بمجرد وجوده!
بالطبع، لقد أثبتت الوقائع والتجربة، وبسرعة، بطلان هذه المزاعم. فالتنافس على اقتسام وإعادة إقتسام الأسواق العالمية لا يزال على أشده، متخذا طابع التزاحم التناحري، ولا تزال تدور أمام أنظار العالم أجمع الحروب الأهلية والحروب المحلية، حيث تباد مجتمعات بكاملها، بسبب تنافس شركات عالمية على مصادر المواد الأولية. كما لا يزال العالم يشهد اندماج شركات عملاقة في مختلف المجالات الصناعية والمصرفية المتداخلة، بحيث تتخذ عمليتا تركز الرأسمال وتمركزه مقاييس فلكية. وتزداد تبعية الدولة (الإمبريالية) للطغمة المالية المتعولمة والمتجددة والمهيمنة والمتناحرة على الدوام، في صراع لا هوادة فيه بين المراكز الإمبريالية (أميركا ـ أوروبا ـ اليابان) على امتلاك القوى المنتجة المتطورة، بما فيه البشر وطاقاتهم الخلاقة، (مثل التنافس الضاري بين الولايات المتحدة وأوروبا على إستقطاب هجرات الأدمغة من البلدان النامية، بوصفها "عقول" عاملة، (تمييزاً لها عن "اليد العاملة") في خدمة ما يسمى بـ "إقتصاد المعرفة".
ويجري هكذا صرف الذهن عن ديمومة سعي الرأسمال الى تخفيض كلفة قوة العمل (زيادة القيمة الزائدة ومعدل الإستثمار) في ما يسمى بـ "الإقتصاد الجديد" المعولم.
هذا عدا كون تفاوت التطور، الذي "يظهر" و"يعمل" بسرعة لم تعرفها البشرية من قبل، يجعل مسألة كسب الوقت في السباق للسيطرة على هذه القوى المنتجة مسألة "حياة أو موت" حسب تعبير ماركس.
نعم إن التطور هائل، ويسبق أحياناً القدرة على التخيل. لكن الإمبريالية لا تزال هي هي، في عولمتها التي تضع العالم على حافة الكارثة، ولا تزال الطغمة المالية تنعم بهيمنتها في كل مكان، مع كونها متناهشة تناهش الوحوش الضارية على الأسواق والأرباح والصفقات والسلطة.
ليس مستغرباً إذن تركز هجوم القوى اليمينية الرجعية والمرتدة على لينين؛ إذ أنه، على الصعيد النظري، وعلى نهج ماركس، استطاع أن يتصدى لإنزلاق الأحزاب الإشتراكية الديمقراطية الأوروبية الى إعتبار الإمبريالية مجرد "سياسة" ظرفية عابرة، تعتمدها الدول الرأسمالية مؤقتاً في إطار إنتقالها الى أطوار عليا من تطور القوى المنتجة. كان هذا الإنزلاق في معالجة "الظاهرة"، من المستوى الإقتصادي الأساسي الى المستوى السياسي العابر، يعتمد على تشبيه الدول الإمبريالية بالإمبراطورية الرومانية القديمة حيث لا وجود للرأسمالية، مما يولّد الوهم بأن استثمار المستعمرات يتم فقط بتصدير السلع ذات القدرة على المنافسة. (لينين: "الإمبريالية أعلى مراحل الرأسمالية")
لقد ألمح ماركس، بفضل منهجه العلمي، الى أن العولمة الرأسمالية تتم عبر انتشار نمط الإنتاج الرأسمالي، وبالتالي انتشار علاقات الإنتاج الرأسمالية، وذلك رغم أن تصدير الرأسمال كان في أيامه لا يزال جنينياً. (يشير لينين الى أن بريطانيا كانت في زمن "البيان الشيوعي" قد سبقت باقي البلدان الأوروبية الى الإمبريالية باعتبارها تصديراً للرأسمال، ولم تلحق بها الدول الأخرى (المانيا، فرنسا...) إلا في العقود التالية من القرن التاسع عشر، ليبدأ بذلك الصراع على إعادة إقتسام العالم.)
إن المنهج الماركسي هو الذي هدى لينين الى إدراك أهمية إكتشاف الإقتصادي الإشتراكي هلفردنغ بأن هناك "ظاهرة" جديدة في الإقتصاد هي الميل الى "تصدير الرأسمال" وليس تصدير البضائع فقط. وربط لينين هذا الإكتشاف الإقتصادي بنتائجه السياسية المنطقية على صعيد الحركة الثورية. فالظاهرة تعني أن الحركة الثورية ضد الرأسمال تدخل مرحلة جديدة بنهوض النضال التحرري في المستعمرات بمشاركة الطبقة العاملة مباشرة، حتى وإن كانت هذه الحركات التحررية لا تدرك مباشرة ارتباط النضال من أجل التحرر الوطني بالنضال من أجل التحرر الإجتماعي في العالم الحديث الذي يتوحد في خضوعه لسلطة الرأسمال المالي. وهكذا طور لينين شعار "البيان الشيوعي": "يا عمال العالم ويا أيتها الشعوب المضطهدة، اتحدوا !"
لقد تطور هذا الشعار في سياق النضالات التي خاضتها الحركة الشيوعية اللينينية طوال القرن العشرين، رابطة النضال التحرري بالنضال الطبقي ضد الرأسمال وبالنضال الديمقراطي العام في كافة مستويات البنية الإجتماعية ولتوحيد كل الفئات الإجتماعية والشعوب المتضررة من سيطرة الطغمة المالية (راجع وثائق المؤتمر الثاني لحزبنا التي تركز على أهمية إعتماد الشعار "النضال الديمقراطي العام" الذي كان لينين قد أطلقه رداً على سؤال "ما العمل؟")
إن ماركس لم "يخترع" الشيوعية من بنات أفكاره، بل انحاز اليها من موقع ديمقراطي ثوري، من جهة، ومن وعي التناقض الأساسي للمجتمع الرأسمالي من جهة ثانية، فالنزعات والإنتفاضات الشيوعية كانت دائماً ملازمة للثورات الكبرى في التاريخ التي تستمد قوتها الحية من الطبقات الكادحة مما يترك أثره في ثقافات الشعوب كتراث ديمقراطي ثوري غالباً ما تحافظ الشعوب عليه بتقديسه ثم تجميده، مما يفسح في المجال الى انتزاعه منها لتركها ترسف في الجهل والعبودية.
من هذه التحولات الثورية الكبرى التي طبعت تاريخ الإنسانية بطابعها يذكر ماركس المسيحية والإسلام قديماً، بالإضافة الى الثورات الديمقراطية الحديثة.
كانت كافة الحركات الشيوعية السابقة ذات طابع أخلاقي مثالي يستند الى مطلبي العدالة والمساواة ويرفع شعار الإخاء ويعتبر الملكية الخاصة بمثابة سرقة ومصادرة للملكية المشتركة الخ... لكن يعود الى ماركس الفضل في ارساء الشيوعية العلمية إنطلاقاً من منهجه المستند الى المادية التاريخية والى دراسة ونقد الإقتصاد السياسي البرجوازي ونمط الإنتاج الرأسمالي وتناقضاته.
إن تمييز المنهج العلمي الثوري في النصوص الماركسية اللينينية، بعيداً عن تقديسها وقولبتها وتحويلها الى عقائد جامدة، إنما يتطلب ربط الثقافة بالنضال العملي ضمن برنامج للنضال الديمقراطي العام يخوضه حزب ديمقراطي ثوري حقيقي، حزب شيوعي ماركسي ـ لينيني، هو نقيض الشرذمة التي تسعى مركزية الطغمة المالية بمختلف أجهزتها الى بثها بأساليب مختلفة في صفوف الطبقة العاملة وفي المجتمع بشكل عام، كما هو نقيض التعبئة الفاشية التي تموّه تبعيتها للطغمة المالية باالتعصب القومي أو الديني الخ.
إن نزع الطابع اللينيني عن الحزب الشيوعي يصبّ الماء في طاحونة تمويه الطبيعة الرأسمالية للمجتمع اللبناني، خصوصاً عندما يترافق مع إغفال مفهوم الطغمة المالية، واستبداله بمفاهيم عامة تخفي الجوهر الرأسمالي للأشكال الطائفية لإنتظام العلاقات المادية السائدة في المجتمع والتي كان هيغل يشير اليها بتسمية "المجتمع المدني". (ماركس مقدمة كتابه "مساهمة في نقد الإقتصاد السياسي").
إننا نجد في هذه المقدمة عرضاً مكثفاً وواضحاً للمنهج العام الذي استند اليه ماركس، والإستنتاجات العامة التي توصل اليها استناداً الى هذا المنهج. (انظر النص باللغة العربية في الجزء الثاني من "ماركس انجلس ـ مختارات"، دار التقدم ـ موسكو 1969).
في سياق هذه المقدمة المكتوبة سنة 1859، أي بعد 11 سنة على صدور "البيان الشيوعي" وقبل سنة واحدة من الشروع بكتابة "الرأسمال"، يعود ماركس بالذاكرة الى أيام شبابه، يوم كان يسهم بتحرير "الصحيفة الرينانية" سنة 1842)، فيقول:
"بدأت تتردد (في الصحيفة) أصداء الإشتراكية الفرنسية والشيوعية الفرنسية، بطلاء خفيف من الفلسفة، حيث كان شعار "السير قدماً الى الأمام" غالباً ما يزخر بالنوايا الطيبة أكثر بكثير من كونه يستند الى معرفة الواقع".
معرفة واقعنا والإنطلاق منه، حسب المنهج الماركسي، تبدأ بالإنخراط في "النضال الديمقراطي العام"، كبرنامج لحزب ديمقراطي ثوري واضح الهوية الطبقية، يناضل ضد سيطرة الطغمة المالية على مقدرات المجتمع، وضد سعيها لتأبيد النظام، الطبقي في الجوهر والطائفي في الشكل، النظام المولّد الدائم للأزمة.