الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في بطن الحوت
بقلم : عطا منّاع
قبل أسبوعين أعلن في الضفة الغربية المحتلة عن ولادة التيار الوطني الديمقراطي الذي رفع شعارات ليست بعيدة عن البضاعة التي تطرح في الشارع السياسي الفلسطيني، ولكنة جاء للتعبير عن أزمة فكر وممارسة في أوساط القوى اليسارية وعلى رأسها الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.
بالأمس أعلن عن ولادة فصيل عسكري في قطاع غزة كتائب باسم نسور فلسطين، والحديث يدور عن انشقاق في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين رغم رفض عضو اللجنة المركزية للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين كايد الغول إطلاق صفة الانشقاق على 800 كادر كانوا ينتمون للجبهة الشعبية لان الجبهة فصلتهم أو جمدتهم لسلوك يتنافى مع قرارات الجبهة وأنهم خرجوا أو اخرجوا بقرار منها وليس بناء على خلافات سياسية أو فكرية.
بغض النظر عن موقف السيد كايد الغول الذي تسرع في التصريح لوسائل الإعلام ليزيد من الطين بله على اعتبار أنة يتحدث عن المئات من عناصر الجبهة وكوادرها الذين ضاقت بهم الجبهة الشعبية كما ضاقت بغيرهم متذرعة بأسباب تقليدية يتم الاختباء خلفها لتبرير الأزمة التي تقادمت جراء السياسات الترقيعية التي فاقمت من حدتها، وسواء خرج نسور فلسطين أو اخرجوا من الجبهة الشعبية فهذا لن يغير من الواقع شيئا، ولن بثلج الصدور ما جاء على لسان السيد الغول المعروف بواقعيته وعمقه السياسي الذي يفرض علية أن يسمي الأمور بأسمائها.
مخطئ من يعتقد أن الجبهة الشعبية لا تخضع للقانون، قيادتها تدرك هذه الحقيقة، فالأزمة لا تقتصر على نسور فلسطين بل تجتاح الوطن المحتل، وهي ليست وليدة اللحظة، إنها نتاج تراكمات عقود من الترهل والمحسوبية والسماح للمتسلقين والانتهازيين والوصوليين من التسلل إلى جسمها، هؤلاء لعبوا دورا خطيرا في إقصاء القاعدة التي شكلت السياج الحقيقي للجبهة الشعبية التي تحولت عند البعض القيادي لامتيازات شخصية تتناقض بالمطلق مع ما يطرح نظريا من اقكار ومواقف فرغت من مضمونها لعدم ترجمتها على الأرض.
وقد يكون من المناسب لقيادة الجبهة الشعبية قراءة الواقع بشكل مختلف، لأنها تدرك أو يجب أن تدرك مضمون حركة الأشياء التي لا تقبل الجمود والهروب من الواقع، لان سياسة الهروب باتخاذ المواقف الارتجالية التي ترقى إلى الستالينة كما حدث في قطاع غزة ستقود إلى هدم الهيكل على رؤوس قاطنيه، ناهيك عن عدم وضوح الرؤيا وعدم التميز بين الغث والسمين، هذه السياسة ستؤدي إلى حتمية لا مهرب منها وهي المزيد من التشظي والانشقاقات المشروعة والغير مشروعة، وبالنتيجة لا مفر من الاضمحلال الذي يشكل مقدمة علمية موضوعية للفناء.
إن فشل الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين الفصيل الثاني في منظمة التحرير الفلسطينية عن استيعاب الواقع الجديد الذي أدى لظهور السلطة الفلسطينية كنتاج لاتفاقية اسلوا افقدها القدرة على الديناميكية السياسية البعد الفكري الوعاء الطبيعي للالتفاف الجماهيري، واتخذت من إستراتيجية الرفض الجانب النظري وارتضت لنفسها أن تكون على هامش الحركة، وتعايشت مع إنصاف المواقف، عارضت واسلوا وانخرطت في مؤسساته ونضم المئات من كوادرها وقيادتها إلى الأجهزة الأمنية، شاركت في الانتخابات التشريعية ورفضت الانضمام لحكومة الوحدة، واتخذت موقفا وسطيا من انقلاب حماس في غزة، تنادي بالفكر الماركسي بعيدا عن الممارسة، وتخرج للعلن لتقول أن 800 عنصر من عناصرها فصلوا أو جمدوا لممارستهم مسلكيات تتنافى مع قرارات الجبهة، عن أية قرارات يتحدثون.
لقد فرضت المستجدات نفسها على مجمل الفصائل الفلسطينية وبالتحديد حركت فتح التي انحنت أمام مطالب كوادرها، لم تفصل وتجمد رغم التجاوزات والخطايا التي ارتكبت في وسطها، وهذا منسحب على مجمل فصائل العمل الوطني التي أدركت التطورات المتلاحقة في الساحة الفلسطينية وتناغمت معها وطوعتها لمصلحتها، والجبهة الشعبية التي تمتلك التاريخ النضالي من واجبها معالجة قضاياها بعيدا عن المركزية والشخصنة، لان التاريخ أولا وما تبقى من عناصرها ثانيا أن يرحموها، وقد يصح القول ان هناك مساحة من الوقت لإعادة العربة إلى السكة وبالتحديد في قطاع غزة الذي شئتم أم أبيتم يشهد انشقاق بصرف النظر عن شكله لان أصولة منكم والتنكر للحقيقة تأكيد على حدة الأزمة