جون مولينو
ما هو التراث الماركسي الحقيقي؟
(ترجمة مركز الدراسات الاشتراكية)
مقدمة مركز الدراسات الاشتراكية - مصر
يقدم هذا الكراس والذي كتبه المفكر الماركسي البريطاني جون مولينو في منتصف الثمانينات تمييزاً لما يعتبره المؤلف التراث الحقيقي للماركسية عن المدارس الثلاث التي هيمنت على اليسار العالمي لعقود وهي الستالينية، والاشتراكية الديمقراطية الكاوتسكية، والتحرر الوطني في العالم الثالث. ويعتمد المؤلف على منهج التحليل الطبقي للتمييز بين الماركسية وهذه المدارس الثلاثة.
يبدأ المؤلف بشرح الأساس الطبقي للماركسية، ويوضح أنها لم تكن مجرد نظرية فكرية أنتجها ماركس وإنجلز، بل بلورة للخبرات النضالية للطبقة العاملة والإمكانيات الاجتماعية والسياسية التي طرحتها تلك الخبرات. وينتقل بعد ذلك لإثبات أن الطابع الطبقي للماركسية لا يتناقض مع كونها نظرية علمية شاملة قادرة على تفسير العالم الاجتماعي وتطوره التاريخي. ويصل الكاتب إلى استنتاج أن الماركسية لا يمكن الفصل فيها بين النظرية والممارسة وأنها بالفعل نظرية ثورة الطبقة العاملة العالمية.
ينتقل المؤلف في الجزء الثاني من الكراس إلى تحليل التشوهات التي طرأت على تلك النظرية الثورية على يد الكاوتسكية في أوروبا والستالينية في روسيا وحركات التحرر الوطني في العالم الثالث. ويشرح كيف كانت الكاوتسكية تعبيراً عن البيروقراطية النقابية، والتي أصبح لها مصالح تتناقض مع مشروع الثورة العمالية، وكيف لعبت دوراً توفيقياً بين العمال والرأسمالية. ويصف بعد ذلك كيف تحولت الماركسية في روسيا على يد ستالين إلى تعبير عن المصالح القومية للبيروقراطية الحزبية التي استولت على الحكم في روسيا، بعد تفكك حكم الطبقة العاملة بفعل الحصار والحرب الأهلية وفشل انتشار الثورة في أوروبا بعد هزيمة الثورة الألمانية.
أما في الجزء الخاص بالعالم الثالث فيطرح المؤلف أن الحركات التي استولت على الحكم في بلدان مثل الصين وكوبا لم تكن ماركسية فهي حركات قادتها قطاعات من مثقفي البرجوازية الصغيرة واعتمدت بالأساس على قواعد فلاحية وحرب عصابات ريفية، وعلى الرغم من أن هذه الحركات هي بالفعل حركات تحرر وطني ناضلت ضد الإمبريالية والاستعمار فيجب ألا نخلط بينها وبين الماركسية الثورية.
نشرت الطبعة العربية الأولى لهذا الكراس المترجم في منتصف التسعينات، وتميزت تلك الفترة بحالة من الإحباط والتفكك الشديدين في صفوف اليسار المصري، وكانت تسود أفكار عن أن الماركسية لم تعد قادرة على تفسير أو تغيير العالم وأن كل أطروحتها قد أثبتت فشلها. فما كان يسمى بقلعة الاشتراكية، أي الاتحاد السوفيتي والكتلة الشرقية، انهارت انهيارا مدوياً وكان الحديث في ذلك الوقت عن تجاوز الرأسمالية العالمية لأزماتها وبداية عصر جديد من الاستقرار الرأسمالي القائم على ثورة المعلومات والتكنولوجيا، وكتب فرانسيس فوكوياما أطروحته الشهيرة عن نهاية التاريخ أي أن الرأسمالية الحديثة وسياسات السوق الحر والديمقراطية البرجوازية في شكلها الغربي هما نهاية المطاف في مسيرة التطور التاريخي، وأن أي حديث عن انهيار النظام الرأسمالي والثورة الاشتراكية لم يعد له معنى في العالم الحديث، كما كان هناك سبباً آخر لحالة التخبط في صفوف اليسار وهو ما بدا إنه بمثابة انتصار نهائي للإمبريالية الأمريكية عالمياً وللمشروع الصهيوني والشرق أوسطي في منطقتنا، وبدت في تلك اللحظة حركات التحرر الوطني ومشاريع التنمية الوطنية المستقلة في حالة مأساوية. فهزم العراق في حرب الخليج الأولى واستسلمت منظمة التحرير الفلسطينية بقبولها لمشروع مدريد ثم أوسلو وتواطأ في تلك المشاريع كافة الأنظمة العربية بما في ذلك الأنظمة التي كان ما زال يعتبرها البعض أنظمة وطنية وتقدمية، كما تبنت كافة تلك الأنظمة سياسات الليبرالية الجديدة وتعليمات واشنطن والبنك والصندوق الدوليين.
أما على المستوى الدولي، فقد انهارت تجربة نيكارجوا، وفتحت فيتنام أسواقها للشركات الأمريكية، وتحولت الصين لتصبح رأس حربة العولمة الرأسمالية في آسيا.
وفي كانت التطورات تثير التشاؤم أيضاً لدى الكثير من اليساريين، فالحركة الإسلامية تهيمن على الشارع، والنظام يفكك ما تبقى من القطاع العام والإصلاح الزراعي، ويتبنى سياسات الليبرالية الجديدة دون مقاومة عمالية أو فلاحية قادرة على إيقاف أو حتى تعطيل تلك السياسات، وأصبحت الأقلية الصغيرة التي تتحدث عن أهمية دور الطبقة العاملة وضرورة تنظيم المقاومة العمالية والفلاحية والأزمات والانفجارات القادمة بدون تأثير، أصبح هؤلاء وكأنهم يتكلمون لغة لم يعد يفهمها أو يريد سماعها أحداً في أوساط اليسار.
ولكن اليوم، ونحن ننشر الطبعة الثانية من هذا الكراس، فقد تغير الكثير. فأولاً أثبتت تنبؤات فوكوياما بنهاية التاريخ أنها بمثابة نكتة طوباوية لا مكان لها في القرن الجديد، فعادت الأزمات الرأسمالية الكلاسيكية تعصف بالنظام العالمي وانهارت تجارب الليبرالية الجديدة في بلد تلو الأخرى وعادت الإمبريالية لنفس مناهجها القديمة، ليس فقط في شكل الاستعمار المباشر في العراق وأفغانستان والتدخل العسكري في مختلف أنحاء العالم، ولكن أيضاً في التنافس والصراع بين القوى الإمبريالية على الأسواق والطاقة والنفوذ. وانهارت مشاريع السلام البرجوازي في الشرق الأوسط ولم يؤد تحرير الأسواق والعولمة الرأسمالية إلى الرخاء والسلام بل إلى المجاعات والحروب.
وفي مصر أيضاً، لم تعد الأمور كما كانت عليه في منتصف التسعينات، فلم تؤدي السياسات الاقتصادية للنظام إلا إلى تعميق الأزمة الرأسمالية بشكل غير مسبوق والى إفقار وتجويع وتشريد الملايين من العمال والفلاحين وإثراء فاحش لقلة صغيرة أصبحت تملك الأخضر واليابس (يوجد في مصر اليوم 70 ألف شخص تصل ثروة كل منهم إلى أكثر من 5 ملايين دولار أمريكي كونوها خلال العقدين الأخيرين).
وبطبيعة الحال لم تمر تلك التغيرات بدون مقاومة، فظهرت حركة مناهضة العولمة الرأسمالية بقوة واتساع لم يكن يتوقعهما أحداً، واندلعت سلسلة من المظاهرات الجماهيرية في مدن الغرب الرأسمالي، وتفجرت من جديد الانتفاضة الفلسطينية لتصبح رمزاً للمقاومة ليس فقط في بلداننا العربية بل في العالم كله، وسرعان ما تحولت إلى شرارة ثورية تهز استقرار النظم البرجوازية العميلة في منطقتنا، ومع اندلاع الحرب في العراق ولدت حركة عالمية لمناهضة الحرب والاستعمار تضاهي في اتساعها وعمقها حركة مناهضة الحرب في فيتنام خلال عقدي الستينات والسبعينات.
وتفجرت الحركات العمالية والفلاحية في مختلف أنحاء العالم ضد الرأسمالية وسياسات السوق، خاصة في أمريكا اللاتينية والتي لم يعد يمر شهر بدون اندلاع انتفاضة أو سلسلة إضرابات عمالية، وفي مصر انفجر الغضب أولاً للتضامن مع الانتفاضة الفلسطينية والمقاومة العراقية ولكن الغضب يتصاعد سريعاً اليوم ليشمل القضايا الاجتماعية والاقتصادية والديمقراطية. فلم تعد غالبية السكان قادرة على الاستمرار في ظل ارتفاع الأسعار ووصول البطالة إلى نسب غير مسبوقة وفي ظل القمع والمهانة التي يتعرض لها كل من يرفع صوته للرفض والمقاومة. وعلى عكس منتصف التسعينات، عندما ظهرت الطبعة العربية الأولى لهذا الكراس، لم يعد أحدا يشكك اليوم في أننا على أعتاب انفجارات اجتماعية كبرى.
كل هذه التغيرات العالمية والمحلية تطرح علينا أسئلة شديدة الإلحاح، كيف نفسر ما يحدث في المنظومة الرأسمالية؟ وما هي طبيعة الإمبريالية اليوم وما هي إستراتيجيتنا للتغيير ولخلق عالم أفضل؟ وإذا كانت الماركسية هي الطريق والمنهج لتفسير ما يحدث في عالمنا المعاصر وهي المرشد للممارسة الثورية اليوم، فعن أي ماركسية نتحدث؟ هل هي ماركسية الاشتراكية الديمقراطية الإصلاحية والتي تطرح التغيير التدريجي من خلال البرلمان؟ أم ماركسية الاتحاد السوفيتي السابق المعروفة بالستالينية والتي أثبت لنا التاريخ مدى قبحها وفشلها؟ أم أن الحل هو في إعادة طرح إستراتيجية التحرر الوطني والثورة الوطنية الديمقراطية؟ يطرح هذا الكراس الصغير رؤية مغايرة لهذه الأطروحات الثلاث. فهو يقدم رؤية ماركسية ثورية قائمة على الدور القيادي للطبقة العاملة، وتستند على تراث من الممارسة والنظرية الماركسية التي بدأت بكارل ماركس وفردريك إنجلز وتطورت على يد فلاديمير لينين وليون تروتسكي وأنطونيو جرامشي وروزا لوكسمبورج، ذلك التراث الذي ظل لعقود غائباً عن ساحة اليسار المصري أو مشوهاً بفعل هيمنة الأطروحات الستالينية والقومية.
وهى الرؤية التي يرى مركز الدراسات الاشتراكية بالفعل اليوم إن هناك أهمية فائقة لإزاحة الغبار عنها لتقديم الماركسية الثورية في ثوبها الحقيقي كنظرية انتصار الثورة العمالية عبر نضالات العمال وكافة الكادحين، خاصة بعد إن عاد اليسار إلى ساحة النضال الطبقي والوطني بقوة في السنوات الأخيرة وبات هناك أعداد لا يستهان بها من الجماهير تبحث عن الخلاص من الأوضاع البائسة التي يحيون في ظلها في الاشتراكية.
هذا الكراس من تأليف المفكر والمناضل الماركسي البريطاني جون مولينو، ولمولينو عدد من المؤلفات الهامة منها كتاب بعنوان "الماركسية والحزب"، وآخر بعنوان، "نظرية ليون تروتسكي الثورية"، فضلاً عن إسهامه في إصدار عدد من الكراسات المبسطة للشبيبة مثل، "الاشتراكية والطبيعة البشرية"، و "هل الماركسية نظرية حتمية؟"، كما له أيضاً العديد من المقالات والدراسات في مجال النقد الفني والثقافي.
الجزء الأول: ما هي الماركسية؟
"كما يميز المرء في الحياة الشخصية، بين ما يعتقده و يقوله إنسان عن نفسه، وبين حقيقته وحقيقة ما يفعل، فينبغي التمييز لدرجة أكبر في الصراعات التاريخية، بين مقولات وخيالات الأطراف المشاركة في هذه الصراعات، وبين تكوينهم الحقيقي ومصالحهم الحقيقية، وبين تصورهم لأنفسهم، وبين حقيقتهم" (كارل ماركس: الثامن عشر من برومير: لويس بونابرت).
كل ما أعرفه هو أنني لست ماركسيا—هكذا قال ماركس. إن ما كان في سبعينات القرن التاسع عشر نكتة جدلية لبقة تحول منذ ذلك الوقت إلى مشكلة سياسية كبرى، فقد شهد القرن الذي مضى على وفاة ماركس ظهور عدد لا يحصى من الماركسيات المختلفة والمتصارعة، وهناك حاجة ماسة الآن لحل هذه الإشكالية ووضع معايير قبول الزعم بالانتماء للماركسية وبالتالي الإجابة عن السؤال الشائك: ما هو التراث الماركسي الأصيل؟
ولكن دعونا في البداية نكون واضحين بالنسبة لكافة أبعاد المشكلة، فالمشكلة ليست وجود آراء مختلفة حول بعض القضايا، بين الأشخاص الذين يسمون أنفسهم ماركسيين، (ميل معدل الربح للانخفاض مثلاً، أو الطابع الطبقي للاتحاد السوفيتي) فهذا شيء متوقع في أي حركة ديمقراطية حية. المشكلة الحقيقية هي أننا كثيراً ما نجد "الماركسيون" يسجنون ويقتلون ويشنون الحرب على بعضهم البعض، بل ونجد من يسمون أنفسهم "ماركسيين" على الجانبين المتضادين من المتاريس الثورية في كثير من الصراعات السياسية الكبرى في عصرنا. تأمل بليخانوف ولينين في 1917، وكاوتسكى ولوكسمبورج في 1919، والشيوعيون والحزب التوحيدي الماركسي في برشلونة في 1936، والمجر 1956، وبولندا 1981، يدفعنا كل ذلك إلى التساؤل حول تعريف الماركسية.
هناك بالطبع من يرفضون هذا التساؤل كلية، وينكرون أي معني للبحث عن ماركسية حقيقية، ويقبلون ببساطة كماركسيين كل الذين يزعمون أنهم كذلك. إن هذا التوجه يناسب البرجوازية ومنظريها الأكثر فجاجة، لأنه يسمح لهم بإدانة الماركسية ككل والماركسيين جميعاً من خلال ربطهم بجوزيف ستالين وبول بوت، كما يناسب أيضاً الأكاديميين المتخصصين في الماركسية، فهو يمكنهم من إنتاج العديد من الكتب المربحة عن الماركسية وكل "مدارسها"، من الماركسية النمساوية إلى ماركسية لويس التوسير. إن هذا المنهج تأملي في جوهره، فالفعل، خاصة الفعل الثوري يقتضي الحسم في النظرية والممارسة معاً. إن الماركسيين الذين يريدون تغيير العالم وليس فقط الارتزاق من تفسيره ليس لديهم سوى خيار واحد وهو مواجهة المشكلة ورسم الخط الفاصل بين الأصيل والمزيف.
إحدى طرق محاولة رسم مثل هذا الخط الفاصل (بين الماركسية الأصيلة والمزيفة) قد تكون بتعريف الماركسية على أساس كتابات ماركس وقياس التابعين بدرجة ولائهم لكلمات الأستاذ. لكن هذا بالطبع مدخل مدرسي، بل وديني، فهو يفشل في الأخذ بالاعتبار أنه إذا كانت الماركسية كما قال إنجلز "دليل للعمل وليس دوجما"، فعليها أن تكون نظرية حية ومتطورة وقادرة على النمو المتواصل وعليها أن تحلل وتستجيب لواقع متغير على الدوام، وهو واقع شهد بالفعل تغيرات ضخمة منذ أيام ماركس. حتى لو كنا لأسباب تاريخية نسمي النظرية باسم الشخص الذي قام بالإسهام الأكبر في وجودها فإننا لا نستطيع أن نختصرها إلى أو نحدها فيما كتبه هذا الفرد بذاته، لأن ثمن ذلك سيكون عجزها الكامل. وكما لاحظ تروتسكي "الماركسية قبل كل شيء هي منهج في التحليل، ليس تحليل النصوص وإنما تحليل العلاقات الاجتماعية"([1]). يشير هذا الاقتباس من تروتسكي إلى اقتراح حل بديل للمشكلة وهو حل يتبناه الماركسي المجري جورج لوكاش، ففي كتاب "التاريخ والوعي الطبقي" تساءل لوكاش، ما هي الماركسية الأصيلة؟ وأجاب بما يلي:
"إن الماركسية الأصيلة لا تعنى تسليماً أعمى بنتائج بحث ماركس، ولا تعني الإيمان بنظرية أو بأخرى ولا تأويل كتاب مقدس، إن الأصالة نسبة إلى الماركسية ترجع على نقيض ذلك إلى المنهج بشكل حصري"([2]).
إن هذا طرح أكثر جدية حيث يأخذ في الاعتبار الحاجة إلى التطور، كما يحتوي على حقيقية هامة تتمثل في أن المنهج الجدلي أساسي في الماركسية بلا شك، ومع ذلك فان هذا الطرح لا يصلح كحل لمشكلتنا فليس من الممكن تطبيق مثل هذا الفصل الجاف بين منهج ماركس وبين تحليلاته الأخرى ولا اختزال المضامين الأساسية في المنهج فقط([3])، يتضح هذا من المثل الذي يضربه لوكاش لشرح فكرته:
"لو كان الافتراض، دون تسليم به، إن البحث المعاصر برهن على عدم صحة كل تأكيدات ماركس الخاصة بالفعل، فباستطاعة أي ماركسي أصيل رصين أن يسلم دون شرط بقبول هذه النتائج الجديدة ويرفض كل اطروحات ماركس الخاصة بالفعل دون أن يلزم إطلاقاً بان يتراجع عن ماركسيته الأصيلة"([4]).
لكن الواقع عكس ذلك تماماً، فإذا افترضنا على سبيل المثال، على عكس تحليلات ماركس لديناميكية التنمية الرأسمالية، إن الرأسمالية تطورت إلى شكل جديد من المجتمع البيروقراطي العالمي بلا تنافس وتناقضات داخلية مما حال دون إمكانية الاشتراكية أو البربرية، فمن الواضح إن الماركسية ستكون قد فندت في حين سيكون قد تم البرهان على صحة ما يذهب إليه أنصار مثل هذا الطرح—ماكس فيبر، برونو ريزي وجيمس بيرنهام—وكما استنتج تروتسكي عندما تناول هذا الطرح الافتراضي، لن يتبقى سوى الاعتراف بأن البرنامج الاشتراكي القائم على أساس التناقضات الداخلية للمجتمع الرأسمالي، قد انتهى بوصفه يوتوبيا([5]).
يبدو أن ما توحي به الحجة السالفة هو أن الماركسية يجب أن تعرف كمنهج مضاف إليه بعض التحليلات والقضايا الأساسية. إلا أن هذا الحل الظاهري ليس في الواقع إلا دفعاً للمشكلة خطوة للوراء، فبأي معيار يمكننا أن نقرر ما هي التحليلات والقضايا الأساسية، وما هي تلك الثانوية، فضلاً عن أن هذا المدخل يحمل في طياته خطر العصبوية النظرية، وهو تعريف الماركسية بأنها الخط السليم حول كل شيء، وبالتالي استنتاج أن روزا لوكسمبورج لم تكن ماركسية عندما اختلفت مع لينين حول الحزب، وان لينين لم يكن ماركسياً عندما قال بالطابع البرجوازي للثورة الروسية وهكذا.
لكن كيف نخرج خارج هذه الحلقة؟ ليس بمحاولة استخراج بعض الاطروحات من كتابات ماركس، وإنما باستخدام النظرية الماركسية؛ بالنظر إلى الماركسية ككل واحد.