يا نواب الشعب.. التعذيب في أقسام البوليس أولي بالاستجواب من الحجاب
جمال البنا
كنت أتمني أن تكون تلك القومة العارمة التي جمعت بين نواب الإخوان المسلمين ونواب الوطني، وكسبت لصف الإخوان أصواتاً عالية في الحزب الوطني، لقضية أهم من قضية الحجاب.
لقد وجدت تلك القضية، فيما يترامي من أخبار، وفي نظري، أن فقه الأولويات يضعها في الصدارة والقمة.
كاتبنا القدير الأستاذ فهمي هويدي كتب مقالته المعهودة كل ثلاثاء، وكانت بعنوان «صفحة قاتمة يجب أن تطوي»، ولكن «الأهرام» امتنعت علي نشرها، فنشرتها «المصري اليوم».
القضية علي قرص مدمج C.D أرسله إليه صديق، يكشف عن وقائع مهمة. تتعلق بواقعتين علي الأقل لاثنين من المواطنين العاديين، تم اقتيادهما إلي مكانين مختلفين، يرجح أنهما من أقسام الشرطة:
أحدهما وقف ذليلاً وبائساً وهو يتلقي سيلاً من الصفعات علي وجهه «وقفاه»، من ضابط ظل يسخر منه وهو يعاجله بها، في حين أن هناك آخرين جلسوا في المكان يتضاحكون ويشجعون الضابط الذي ذكروا اسمه وظهرت رتبته في الصور.
المواطن الثاني ألقي علي الأرض، وبدا نصفه الأسفل عارياً وساقاه مرفوعتين، وثمة صوت لضابط يتوعده وينهال عليه بالسباب والشتائم البذيئة، وهو في هذا الوضع جيء بعصا هتك بها عرض المواطن، الذي أصيب بلوثة جعلته يصرخ بأعلي صوته، مسترحماً ومستغيثاً «بالباشا» الذي ظل يواصل إطلاق شتائمه الجارحة، التي كان سب الأم قاسماً مشتركاً بينها.
هل تتصورون يا نواب الإخوان منكراً أشنع وأفظع من هذا؟
رغم الصورة البشعة التي أشار إليها الأستاذ فهمي هويدي، فإنه في الحقيقة لم يذكر إلا القليل مما عرضته مواقع الإنترنت، فقد عذب الرجل بمختلف الطرق، وأمر أن يقول ويكرر «أنا مَرَه» وانتهكت كرامته بهذه العصا التي أولجت في مؤخرته، وتم هذا كله بين التهليل والتنكيت والشتائم، وأُخذت صور له وقيل له إنها ستعرض علي كل جيرانه ومعارفه لتتم فضيحته.
وتضمن القرص أيضاً حكاية المواطن المصري المشهور باسم «أبومحمد المصري» الذي كان له حق اللجوء السياسي إلي إيطاليا، وكيف أنه اختطف في إحدي طرقات ميلانو عام ٢٠٠٣، إثر عملية قام بها عملاء المخابرات المركزية الأمريكية مع جهاز المخابرات الإيطالي، ونقل إلي مصر، حيث حقق معه اثنان من الباشوات، أحدهما مصري، والآخر أمريكي، وتعرض للتعذيب الكهربائي الذي أفقده السمع، ونشرت مأساته في إحدي الصحف الإيطالية التي اقتنصتها «الواشنطن بوست» وأذاعتها وأثارت أزمة ما بين إيطاليا والولايات المتحدة، وسؤال المخابرات.
وأخيراً تضمن الشريط رواية أحد المسجونين الذي قدر له أن يحتجز لمدة ١٨ شهراً في السجون المختلفة، ولم يعتبره الأستاذ هويدي شاهداً، ولكن «تجربته المتواضعة في السجون» فقد وجد أن ما عرض - «يتجاوز حدود الخيال، ويرسم صوراً لأهوال لا تخطر علي قلب بشر».
إن الآية التي تقول: «..أنه من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً» «المائدة/٣٢»، هي أكثر قابلية لأن تطبق في قضية تعذيب أقسام البوليس، فإذا لم يفعل بكل أفراد الشعب ما فعل بضحاياه، فإن أنباء ذلك عرفت لكل الشعب، وأحدثت الأثر المطلوب، ألا وهو إرهاب الناس، وقهر إرادتهم وكرامتهم.
ماذا يكون لنا إذا فقد الشعب كرامته؟ وإذا قهرت إرادته؟
إن الفساد لم يكن ليستشري، ويتجرأ علي المضي قدماً في أعماله، لولا أنه يعلم أن الشعب كاد أن يفقد القوة علي المقاومة والقدرة علي الصد، لأن الإرهاب جعلهم يعرفون عن أي عمل، وكيف يقاومون المسؤولين الكبار، وهم يشاهدون من يمس ضابطا، أو من له علاقة بضابط يمكن أن يفعل به هذه المآسي.
إن تكرار حدوث هذه الصور من التعذيب الخسيس، بدليل ما تصوره الصحف ليل نهار، وما يقدم إلي القضاء، وحدوث هذا في أقسام البوليس، وفي وسط المدن، وليس في السجون القاصية، لمما يجعل هذا التعذيب يعرف حتي يعم الخوف منه والإرهاب به مجموعات كثيفة، والغرض من هذا كله هو إرهاب الشعب.
ماذا أنتم فاعلون يا نواب الشعب، وقد وضع الشعب في أيديكم شرف تمثيله والدفاع عنه وحماية كرامته؟!
من سيغضب لكرامة الشعب؟ ومن سيغضب لمجاهرة الله تعالي بهذا الإثم الخسيس، وهذا الاعتداء علي الكرامات من أناس افترض أن يحموه ويحاربوا الجريمة؟
نريد أن نعرف البطل الذي سيبدأ المعركة، والذي يذكرنا بالقائد في المعارك القديمة الذي كان يتقدم للمبارزة فيبدأ، وربما أيضاً ينهي المعركة؟