محاولة انقلابية جديدة تستهدف الثورة الفنزويلية وقائدها
فنزويلا الاشتراكية
يبدو أن تاريخ 11/9 قد أصبح تاريخاً صديقاً للامبريالية تقوم فيه بمحاولاتها لخلق نظام عسكري ديكتاتوري تستبدل به حكومة اشتراكية شرعية بهدف تحقيق مكاسب لطبقة مستغلة تقوم على حساب الأغلبية.
فكما أُسقطت حكومة رئيس التشيلي ألليندي قبل 35 عاما من الآن في مثل هذا التاريخ، تكشفت هذا العام في 11/9 أيضاً محاولة لإسقاط مشابه بحق رئيس جمهورية فنزويلا البوليفارية هوغو تشافيز. إلا أن ما أثبتته الاشتراكية من تقدم وتطور بقياداتها التي استطاعت أن تستثمر أخطاء الماضي وتحقق النماذج الأفضل لشعوبها وبلادها قد جعلت من هذا التاريخ على مر الأيام تاريخا فاضحا لحقيقة تلك الامبريالية وأثبتت قدرتها على المواجهة والتصدي لأي محاولة امبريالية تستهدف مصالح الشعوب. ف 11/9 الذي نجحت فيه محاولة الانقلاب على حكومة اشتراكية قبل عشرات السنين أصبح 11/9 الذي أحبطت فيه الحكومة الاشتراكية محاولة فاشلة للانقلاب عليها لتدل على أن الاشتراكية فيها هي فعلا اشتراكية القرن الجديد.
إن ما يميز واقع هذه المؤامرات هو كشفه عن حقائق لم تعد تخفيها أدوات التجميل التي تتعمد الدول الامبريالية استخدامها فتبدو بذلك على حقيقتها وتتضح معاداتها للديمقراطية لأن استهداف حكومة منتخبة شعبياً بانقلاب عسكري هو انتهاك واضح من قبل القائمين على الانقلاب لخيارات الأغلبية الشعبية ولقراراتها الديمقراطية. كما لم يعد من المخفي ضلوع الولايات المتحدة بهذه الجرائم الامبريالية التي ترتكب بحق الشعوب. فإذا كان الأمر يتم سراً فيما مضى فهو الآن يفوق مرحلة العلنية في الوضوح.
ومن مظاهر هذه العلنية التقاء الرئيس الأمريكي جورج بوش بزعماء المعارضة الفنزويلية وغيرهم من معارضي أمريكا اللاتينية في 23 من الشهر الماضي مؤكدا على دعمه الكامل لهم ولأي مخططات وبرامج يقومون بها بحجة "تحسين حالة الحريات وحماية الحقوق والكرامة"
كما يتضح هذا التآمر الأمريكي في محاولة الانقلاب الأخيرة التي كشفتها أجهزة الأمن التابعة للحكومة الشرعية في فنزويلا. فقد بث التلفزيون المحلي شريط تسجيلي اتضحت فيه كامل مخططات العسكريين الضالعين في محاولة الانقلاب ونواياهم للإطاحة بالرئيس تشافيز. وإن هذا التآمر الأمريكي الامبريالي لا يستهدف فنزويلا فقط بل "كافة الدول التي تقاتل ضد الرأسمالية" كما قال أمين عام الحزب الاشتراكي الموحد لفنزويلا أريستوبولوه إيستوريز.
ففي محاولة انقلاب كشفتها أجهزة الأمن الفنزويلية في 11/9 الماضي، خططت عدد من الشخصيات العسكرية، المؤلفة من عسكريين قدامى كانوا قد شاركوا في محاولة الانقلاب الفاشلة شعبيا التي نفذت في عام 2002 وآخرين لا يزالون على رأس عملهم، خططوا للإطاحة بالرئيس تشافيز بأي طريقة حتى وإن كانت عن طريق "تفجيره" بحسب ما ورد في التسجيل الصوتي. لقد كان المخطط الكامل واضحاً في التسجيل حيث سمع صوت أحد الضباط المشاركين قائلاً "سيتم بذل كافة الجهود للتوجه إلى مكان تواجد الرجل (في إشارة إلى الرئيس تشافيز) أينما كان" وأضاف آخر "نحن مقسمون إلى 4 أقسام: أحدهم في الشرق وآخر في الغرب واثنان في الوسط هم الأهم من ضمنهم طيار والآخر خبير جوي هو الذي سينطلق بالطائرة."
وقد كانت الثقة التي أبداها الرئيس تشافيز، حينما اتصل بالبرنامج بعد البث معلنا أن أي محاولة انقلاب لاحقة مهما كانت قوية سيتم مواجهتها برد أقوى بكثير، في محلها لأنه كان على يقين بأن حكومته منتخبة ديمقراطيا وأن هذه المحاولات هي مضادة للإرادة الشعبية التي يؤمن بقوتها وانتصارها الحتمي.
ولم تخذله هذه القوة الشعبية عندما التقى بعد كشف محاولة الانقلاب بيوم واحد أعدادا من المتظاهرين ضد محاولة الانقلاب رافعين لافتات تقول "إذا أتوا بمثل الحادي عشر نأتيهم بمثل الثالث عشر" في إشارة إلى انقلاب عام 2002 الذي حدث في تاريخ 11/9 ولحقه في 9/13 انتفاضة شعبية مناصرة للرئيس تشافيز أعادته إلى الحكم.
وعلى صعيد آخر، يبدو أن نبأ محاولة انقلاب على رئيس الجمهورية لم يشكل خبرا أو حقيقة ذات أهمية بالنسبة لبعض المحطات والصحف الإعلامية الخاصة إذ لعب التهميش المتعمد الذي قام به الإعلام الخاص لنقل خبر محاولة الانقلاب دوراً هاما كشريك في هذه المحاولة الفاشلة تماما كما فعل عام 2002 عندما قام بتشويه أحداث الانقلاب وإظهاره على أنه تظاهرة غير سلمية يقوم بها أنصار تشافيز ضد المعارضة ومن ثم بث أفلام أمريكية بينما كانت الأحداث لا تزال قائمة.
ومما يؤيد ما ذكر سابقا عن ضلوع الولايات المتحدة بكل هذه المحاولات اليائسة هو حدوثها في أكثر من دولة لاتينية تتبع الخط اليساري في أمريكا اللاتينية كالأزمة التي حدثت في ذات التاريخ 11/9 في بوليفيا. وقد كان الموقف الذي اتخذه رؤساء البلدين، فنزويلا وبوليفيا، بطرد السفراء الأمريكيين من بلادهم موقفا واضحا يثبت تنبههم الشديد لهذه المؤامرة الامبريالية الواسعة.
قال الرئيس تشافيز "باسم الملايين منا كشعوب أمريكا الجنوبية، أدعو رئيس الولايات المتحدة إلى احترام سيادة شعوبنا وحكوماتنا."
هذا الاستهداف لا يتوقف، "إنها خطة مستمرة" كما أعلن وزير السلطة الشعبية للعدل والعلاقات الداخلية طارق العصامي مشيرا إلى اعتقال فنزويليين اثنين في 24/9 بحوزتهم أسلحة حربية مؤكدا أن الحدث كان جزء من محاولة انقلاب كانت قادمة.
ولعل استمرار الضربات وبشكل متوالي وصريح ضد فنزويلا بشكل خاص يدل على إدراك الامبريالية لخطر هذا المد اليساري الذي تقوده فنزويلا في أمريكا اللاتينية على الوجود الامبريالي ومصالحه الأنانية المتنكرة للمصالح العامة.
ففنزويلا رغم الوزن الذي تشكله لشبح الامبريالية الأمريكي من حيث أهميتها النفطية والتي توعد الرئيس تشافيز بحجبها عن الولايات المتحدة إذا بدأت الأخيرة هجوما على بلاده مع الأخذ بعين الاعتبار مدى تأثير ذلك على "القوة" الأمريكية، هي في ذات الوقت تشكل وزناً خطراً على الوجود الامبريالي إذ إنها "تخلق حالة قارية ودولية جريئة في محاولتها التصدي للولايات المتحدة كما أنها تبشر بالاشتراكية التي عادت بفضلها إلى الحياة بقوة ثورية مما يرعب الامبريالية لأنها غير قادرة على مواجهة ثورات ديمقراطية تتبنى الاشتراكية كخيار لخلاصها. ومن هنا لم تجد الامبريالية حلا سوى دعم الانقلابات العسكرية." فهي لم ولن تنجح في مجال الإقناع والحشد الشعبي.
وفنزويلا بقيادتها لهذا المد اليساري قادرة على مواجهة هذا الاستهداف، فلم تعد الاشتراكية لدى هذا الجيل الجديد قائمة على القوة العسكرية كرادع أساسي لأي مواجهة بل أصبحت تتخذ من "ديمقراطية الممارسة" أساساً لصمودها وهو ما يجعلها أقوى وقابلة للاستمرار مع المحافظة على القدرة العسكرية التي تقوم أيضاً على الممارسة الديمقراطية وهو ما يظهر جليا في الولاء للثورة الذي يبديه أعضاء جهاز الأمن الفنزويلي من خلال ترقبهم لمحاولات الانقلاب المتتالية والمستمرة بدقة عالية وإحباطهم لها.
وعلى أي حال، فإن كل هذه الجرائم إنما تصنع فشلها بنفسها إذ تقدم خدمة في غاية الأهمية لهذا المد اليساري الذي تستهدفه، "فهي تكشف وجه القباحة الرأسمالي الإمبريالي، وتثبت شيئا فشيئا أنها ليست صديقة للديمقراطية ويتبين من خلال الأزمات أن الاشتراكيين هم الحماة لهذه الديمقراطية. إنها معركة بدأت الامبريالية بخسارتها جراء محاولاتها اليائسة لإيقاف مد ثوري هي أضعف من مواجهته في الوقت الراهن وهو أقوى من تحجيمه ببساطة."
يقول الرئيس تشافيز "إن موتي لا يعني لهم شيئا كما أن موت آلاف الناس لا يعنيهم، لا يعنيهم شيئا على الإطلاق. إن هذا هو منطقهم، منطق الموت. لذا يجب علينا أن نفرض منطقنا نحن، منطق السلام."