أيوب أيوب
ayoub.ayoub83@yahoo.fr 2008 / 10 / 24
الحزب الإشتراكي الديمقراطي الروسي كان أحد فروع الأممية الثانية، بل يمكن اعتباره، خاصة بعد 1905، أحد أهم أحزابها بعد الحزب الإشتراكي الديمقراطي الألماني، وعلى عكس الأسطورة الستالينية فإن الحزب الإشتراكي الديمقراطي الروسي لم يقم بتلك القطيعة التاريخية الجذرية والنهائية مع هذه الأممية. ففي 1905وفي اطار سجاله مع بيير ستروفيه يقول لينين ردا على اتهام موجه له في علاقته برمزي الإشتراكية الديمقراطي الألمانية بيبل وكاوتسكي: "أين ومتى سميت "انتهازية" ثورية بيبل وكاوتسكي؟ متى وأين برزت اختلافات في وجهات النظر بيني من جهة وبين بيبل وكاوتسكي من جهة أخرى". وفي1907في مؤتمر شتوتغارد أكد لينين أن "الإشتراكية الديمقراطية الألمانية هي التي ساندت دائما وجهة النظر الثورية في الماركسية". وفي1913في مقال بجريدة البرافدا مخصص لرثاء أوغست بيبل يقول لينين: "لا أحد تمثل الملامح والمهام الخاصة بهذه المرحلة بطريقة حيويةكأوغوست بيبل... انه زعيم عمالي نموذجي، شارك في النضال الجماهيري للعبيد المأجورين من أجل نظام أفضل لمجتمع انساني".والى حدود4أفريل1914 كان لينين لايزال يمجد "المزايا الكبيرة للإشتراكية الديمقراطية" و"نظريتها الماركسية المصهورة في مجرى النضال" و"منظماتها الجماهيرية، جرائدها، نقاباتها، جمعياتها العامة...".وحتى عندما صدر خبر تصويت نواب هذا الحزب في البرلمان لصالح رصد الميزانية الخاصة بالحرب، فان لينين كان قد اعتبر ذلك تشويها ودعاية مغرضة ضد حزب الطبقة العاملة، وواصل تمسكه بضرورة عدم القطع مع الأممية الثانية بدعوى وحدة الحركة العمالية.
عندما أصدر لينين نصه المشهور "المرتد كاوتسكي..." واعلانه افلاس الأممية الثانية، فانه اضافة لكون قطاعات واسعة داخل البلاشفة (فرع البلاشفة في باريس مثلا) كانت قد انخرطت عمليا في الترويج للحرب الإمبريالية وتجنيد البروليتاريا تحت شعار "الدفاع عن الوطن"، "الدفاع عن الحضارة ضد البربرية الروسية-الألمانية" فانه عمليا لم يذهب في عملية قطع تنظيمي مع هذه الأممية، ولم يصدر دعوة واضحة للمجموعات اليسارية داخل الحزب الإشتراكي الديمقراطي الألماني (ليبنيخت، لوكسمبورغ) الى القطع مع هذا الحزب وتشكيل تنظيم جديد. نحن نعرف أن الأممية الثالثة لم يتم بناؤها الا بعد خمس سنوات من تلك القطيعة المزعومة (من أجل الدفاع عن الوطن الإشتراكي) وتغيير اسم الحزب لم يتم التفكير فيه الا في نيسان1917.
القطيعة مع الإشتراكية الديمقراطية الألمانية تمحورت أساسا حول الموقف من الحرب الإمبريالية، ولعل هناك ما يفسر السهولة النسبية التي استطاع بها الموقف اللينيني(1) أن يجد صدى واسعا في صفوف البلاشفة في روسيا، ذلك أن الإشتراكية الديمقراطية الروسية كانت تعتبر القيصرية نظاما همجيا في مقابل الحضارة الرأسمالية المتطورة في أوروبا( 2) وهذا ما جعل "الإنهزامية الثورية" من ناحية الجبهة الروسية تبدو منسجمة مع هذه الرؤية، وهذا أيضا ما يفسر موقف فرع البلاشفة في باريس المناقض لهذا الموقف اللينيني.
لينين لم يقطع مع البرنامج التاريخي للإشتراكية الديمقراطية. فقد بقي يعتبر الثورة "الروسية" ثورة بورجوازية ديمقراطية، وأن مهمة الثورة هي تطوير الرأسمالية واللحاق بالأمم المتقدمة. حتى في موضوعات نيسان حافظ لينين على جوهر هذا الموقف البرنامجي. صحيح أن قطاعا من البلاشفة قد قام بنشاط ثوري واسع طيلة الفترة الممتدة من فيفري الى أكتوبر، على رأس القطاعات البروليتارية الثورية وفي قطيعة وصراع مرير ضد الأغلبية البلشفية (أغلبية اللجنة المركزية للحزب كانت ضد الإنتفاضة المسلحة ومع انتظار انعقاد المجلس التأسيسي، ولينين كان قد راوح موقفه بين ما أسماه بسياسة اقناع العمال داخل السوفياتات لحيازة الأغلبية وبين الإنخراط في ما كانت الجماهير قد بدأت فيه عمليا، أي تدمير الدولة البورجوازية بقيادة كيرنسكي. زينوفيف الذي سيكون لاحقا رئيس الأممية الثالثة كان قد عمل كل تلك الفترة لإفشال الإنتفاضة المسلحة بل ووصل الى حد الوشاية العلنية برفاقه .... هذا لم يمنع بقاءه في اللجنة المركزية للحزب...؟.) هذا النشاط وعمليات الفرز داخل البلاشفة هي ما جعل الإنتفاضة تنجح، لكن ذلك لم يمنع من أن كل الإجراءات التي اتخذها البلاشفة مباشرة بعد انتصار الإنتفاضة كانت تصب في دعم الرأسمالية (ما يسمى برأسمالية الدولة كمرحلة ضرورية نحو الإشتراكية) واعادة بناء الدولة البورجوازية (اعادة ادماج الخبراء الإقتصاديين والإداريين الكبار والكثير من القيادات العسكرية السابقة...) ولعل ما يفسر أن المعارضة سواء داخل الحزب البلشفي أو خارجه لم تنهض ضد هذه الإجراءات (الإقتصادية منها خاصة) التي كانت انعكاسا للعزلة العالمية للثورة وفشلها في الإمتداد في الوقت الحاسم، أن هذه الاجراءات كانت تبدو منسجمة مع مقولة انجاز "المهام الديمقراطية البورجوازية" التي كانت تحوز على اجماع كبير داخل الأوساط الإشتراكية الديمقراطية، لذلك فان هذه المعارضة، ورغم ما قامت به خاصة في مواجهة اتفاق صلح بريست، فانها بقيت أسيرة البرنامج الإشتراكي الديمقراطي القاضي بضرورة انجاز المهام الديمقراطية البورجوازية (اي تدعيم الرأسمالية) كمقدمة ضرورية للبدء في البناء الاشتراكي، لا بل أن هذه المعارضة قد سقطت في كثير من الأحيان في أوهام "دمقرطة" الإنتاج والحياة السياسية... بما أفقدها جذريتها ومنع امكانية تبلور خط شيوعي ثوري مناهض للسياسة الرأسمالية للبلاشفة، ولعل ذلك يمكن تفسيره أيضا بميزان القوى العالمي الذي كان يميل يوما بعد يوم لصالح الثورة المضادة، وعزل آخر المعاقل البروليتارية خاصة من خلال وأد انتفاضات كل من ألمانيا، ايطاليا، أوكرانيا، كرونستاد....الخ
1 ) بخصوص هذا الموقف مثله مثل العديد من المواقف الأخرى (مثل الموقف من ضرورة تدمير الدولة البورجوازية لا الإستيلاء عليها) فان لينين قد تراجع عنه مباشرة بعد الوصول الى السلطة، وتحول شعار "الإنهزامية الثورية" الى شعار "الدفاع عن الوطن الإشتراكي" ومن "تحويل الحرب الإمبريالية الى حرب ثورية" الى عقد صلح بريست-ليتوفسك
2 ) هذه الرؤية هي ما يفسر أيضا عنفية الجناح الروسي للإشتراكية الديمقراطية في مقابل سلمية الجناح الألماني وتعايش هاتين النزعتين المتناقضتين جنبا الى جنب