منقول
بعد انهيار الاتحاد السوفياتي ـ الدولة والنظام ـ طفت على سطح الحراك السياسي والفكري في الحركة الشيوعية العربية والعالمية، "موضة" مَرَضية، هي موضة التبرؤ من الماركسية ـ اللينينية والفكر الاشتراكي العلمي وخيانتهما، بأسم "تحديثهما" و"عصرنتهما" و"تجديدهما". واذا تجردنا عن النواحي الجدلية الفكرية، نجد ان كثيرين من اصحاب هذه المواقف "التجديدية" المزيفة ـ واذا طبقنا عليهم المقاييس السياسية "البسيطة": الطبقية وخصوصا الوطنية ـ نجد انهم انتقلوا على المكشوف الى معسكر الاعداء الطبقيين والوطنيين، فاصبحوا في معسكر واحد مع الكتل المالية الكومبرادورية كما هي كتلة "الحريري" السعودية ـ اللبنانية مثلا؛ ومع الخونة التاريخيين كما هو "حزب الكتائب" في لبنان؛ ومع الاحتلال الاميركي للعراق ومشاريع "الحلول" الاميركية للازمات العراقية واللبنانية والفلسطينية والعربية عامة.
وفي رأينا انه من العبث مناقشة المنحرفين ـ الخونة على اساس فكري، سياسي او فلسفي الخ؛ بل يجب "مناقشتهم" فقط على اساس الممارسة العملية والمواقف السياسية العملية، واخذهم بجريرة الخيانة الطبقية والوطنية، لان الخيانة ليست "وجهة نظر!"، والتعامل مع الخونة ينبغي ان يكون، ضمن ما تقتضيه الضرورة وتسمح به موازين القوى، كالتعامل مع الاعداء بالذات، اي التعامل بكلمة الرصاص وليس برصاص الكلمة.
وبمعزل عن هذا الجانب القاتم، فإنه يتوجب على جميع الماركسيين ـ اللينينيين الصادقين، على اختلاف اجتهاداتهم و"معسكراتهم"، ان يقدموا تقييما تاريخيا لثورة اكتوبر الاشتراكية العظمى، التي يراد طمس دورها وتشويهها، عبر ربطها فقط بالعنف الذي رافقها ورافق الحرب الاهلية الروسية وحرب التدخا الاستعمارس ضد الجمهورية السوفياتية الفتية، وعبر اتهامها بالارهاب الستاليني الذي لازم النظام السوفياتي و"تطور" معه.
ولا شك ان هذا موضوع كبير جدا يرتبط بمجمل اوضاع الحركة الشيوعية الروسية والعالمية، وبالتاريخ العالمي بأسره. ونرى من الملح طرح بعض العناوين المفتاحية، فيما يتعلق بهذا الموضوع الكبير:
ـ1ـ اذا كانت ثورة اكتوبر، بالمحصلة التي وصلت اليها، لم تقدم الحل التاريخي المستدام لتراجيديا الوجود الانساني؛ واذا كانت ثورة اكتوبر قد "انتكست" بالمحصلة؛ فهذا لا يعني ابدا ان نقيضها ـ اي ما يسمى "الدمقراطية!!" البرجوازية والرأسمالية والامبريالية ـ هو الحل؛ على العكس تماما: ان الرأسمالية، بكل اشكالها "الدمقراطية!!" والدكتاتورية والاستعمارية والامبريالية هي المشكلة، وهي اصل كل البلاوي الانسانية، من تمييز طبقي وديني وقومي وعنصري، ومن استثمار واستغلال وظلم واحتلال واستعباد، ومن قمع وفتن ومجازر وحروب، ومن اوبئة وفقر وامراض مستعصية وفساد وجريمة منظمة وانحطاط اخلاقي و"حيونة" للكائن الانساني وتخريب للبيئة وكوارث "طبيعية" وتهديد بفناء البشرية والكرة الارضية؛ واذا كانت ثورة اكتوبر، بكل عظمتها وبكل ما قدمته من تضحيات جسام، لم تستطع تقديم "الحل المستدام" للتراجيديا الانسانية، فهذا برهان ليس على سقوط الحل الاشتراكي، كما يريد ان يقول لنا جهابذة الرأسمالية العالمية وجراويهم الجدد من خونة الشيوعية، بل هو برهان على فداحة المشكلة الرأسمالية، وتأكيد أكبر على الضرورة القصوى للحل الاشتراكي، الذي لا مستقبل للانسانية بدونه.
ـ2ـ بعد سقوط النظام السوفياتي، وانتهاء حقبة "الحرب الباردة" والقطبين الدوليين، اصبحت الرأسمالية والامبريالية والصهيونية بزعامة اميركا سيدة الموقف عالميا: اعلاميا وفكريا وثقافيا وفنيا وسياسيا واقتصاديا وماليا وعسكريا الخ. ولم يعد لديها اي "مزاحم" واقعي، يمنعها من تحقيق برامجها ايا كانت، وعلى مدى العالم بأسره. فمن وما الذي يمنع "الدمقراطية!!" الاميركية ـ مثلا ـ من تقديم "حلولها" للمشكلات التي تعاني منها الانسانية؟!
بالامس فقط تقدمت ادارة جورج بوش بمشروع قانون او مرسوم او ما اشبه الى الكونغرس الاميركي، طالبة تقديم مساعدة بـ ـ فقط! ـ 700 مليار دولار، لانقاذ النظام المالي الاميركي من الانهيار. اي بكلمات اخرى: ان اللصوص الذين سرقوا الاقتصاد الاميركي، بكل علاته (وهذا موضوع مستقل للنقاش)، ينبغي انقاذهم ـ اي مكافأتهم ـ بـ 700 مليار دولار جديدة، هي ايضا لصوصية جديدة. اذ ماذا ستكون هذه الـ 700 مليار دولار جديدة، من خارج الدورة المالية القائمة؟ هي ببساطة ان يقوم بنك الاحتياط المركزي الاميركي (اي مطبعة الدولارات التي يشرف عليها الرأسماليون اليهود) بطباعة 700 مليار دولار جديدة، لا تتجاوز كلفتها (كحبر وورق وافلام ويد عاملة واستهلاك آلات) بضعة آلاف الدولارات، ورميها في الدورة المالية الاميركية والعالمية، كي يدفع "قيمتها" المواطن الاميركي والعالمي، وخصوصا الاغنياء (مثل عرب النفط) المرتبطين بالدولار، وفقراء العالم الذين لا حول لهم ولا طول، والذين ليس لديهم ما يدفعونه سوى عرق جباههم ودماءهم.
ينبغي الاعتراف انه مرحليا غاب عن الافق "الحل الاشتراكي"، حتى الموهوم كما كان النظام السوفياتي السابق او كما هو النظام "الاشتراكي!!" المزيف الصيني الحالي؛ ولكن هذا الغياب لا يعني صوابية او واقعية او امكانية "الحل الرأسمالي"؛ بل ان الرأسمالية تزداد ايغالا وغرقا في مشاكلها المالية والسياسية والعسكرية، وهي نفسها ستقود الى "إجبار" الانسانية بأسرها، في افقر البلدان واغناها على السواء، الى العودة نحو الطرح الاشتراكي والحل الاشتراكي.
ـ3ـ يحاول اليوم جهابذة الرأسمالية وجروايهم من خونة الشيوعية ان يقولوا لنا ان ثورة اكتوبر هي "فعل ذاتي" تم بنتيجة "القناعات الذاتية" للينين وشخصيته الكاريزمية واصراره وتآمريته. اي انهم ينفون الطابع الموضوعي لثورة اكتوبر. كما يحاولون ان يعزوها فقط الى الظروف الروسية القاسية والاستثنائية. ولكن الوقائع التاريخية تثبت ان الحزب البلشفي بقيادة لينين كان اصغر واضعف "حزب اشتراكي" عشية ثورة اكتوبر؛ كما ان الجناح اللينيني في الحزب البلشفي كان حتى نيسان 1917 يمثل اقلية ضئيلة جدا داخل الحزب البلشفي ذاته؛ ومع ذلك فقد انتصر الخط اللينيني، اي خط تبني الثورة الاشتراكية والانتفاضة المسلحة: على المعارضة "البورجوازية" (بما فيها معارضة ستالين) داخل الحزب البلشفي، ومن ثم داخل الاحزاب "الاشتراكية" الاخرى التي سارت في طريق الخيار "الدمقراطي" البرجوازي. وحتى بعد انتصار الانتفاضة المسلحة في تشرين الثاني 1917، فإن حزب البلشفيك حصل على اقلية المقاعد في انتخابات الجمعية التأسيسية في كانون اول 1917، مما اضطر الحزب الى حل البرلمان الجديد بعد ان رفض ـ اي البرلمان ـ الموافقة على مرسومي الارض والسلام.
طبعا لا يمكن التقليل من اهمية العامل الذاتي في الفعل التاريخي. ولكن الاحداث التاريخية الكبرى لا يمكن ان تحدث بتأثير العامل الذاتي. فالعامل الذاتي يؤثر في العامل الموضوعي سلبا او ايجابا، تقديما او تأخيرا، اضعافا او تدعيما، ولكنه يبقى خاضعا للعامل الموضوعي. فلينين، والجناح اللينيني في الحزب، والحزب البلشفي برمته كان يمكن ان يساهم في اكتشاف ضرورة الثورة الاشتراكية، وان يعمل على القيام بها وانجاحها؛ الا انه لم يكن بامكانه ان يصنع ثورة اشتراكية حيث لا يوجد ظروف موضوعية تقتضي قيام ثورة اشتراكية.
انطلاقا من ذلك نحن مع وجهة النظر التي تقول ان ثورة اكتوبر الاشتراكية العظمى في روسيا لم تكن لتتم، الا كتعبير عن نضج الظروف الموضوعية للثورة، لا روسيا وحسب، بل وعالميا ايضا. فلو لم تكتمل ظروف الثورة عالميا، لكانت ثورة اكتوبر خنقت في المهد، في ظروف الحرب الاهلية الشرسة وحرب التدخل الاجنبي التي شاركت فيها 14 دولة استعمارية وكراكوزية تابعة للاستعمار. وفي اكتمال شروط الثورة في روسيا اجابة عن السؤال "لماذا روسيا؟"؛ حيث ان روسيا كانت حينذاك "اضعف حلقة في سلسلة الامبريالية العالمية" كما انها امتلكت الحزب البلشفي بقيادة لينين (هنا اكتمال او توفر العامل الذاتي يدخل كجزء من توفر واكتمال العوامل الموضوعية). واذا كانت ثورة اكتوبر الاشتراكية في روسيا في الربع الاول للقرن العشرين قد قامت، فهذا يعني ان النظام الرأسمالي العالمي قد اصبح "ناضجا" (من وجهة النظر التاريخية (historic)، وليس من وجهة النظر التأريخية الروزنامية (date – calendar) فقط؛ ويعني بالتالي انه ـ اي النظام الرأسمالي ـ ناضج الان، وغدا وبعد غد للثورة الاشتراكية؛ وأنه "لن يصلح العطار ما افسد الدهر"؛ وكل تنظيم يسير في الخط الثوري ضد الرأسمالية والامبريالية والصهيونية هو تنظيم مصيب يسير في انسجام مع مسار التاريخ، وكل من يحاول "تجميل وجه" الرأسمالية والامبريالية والاستعمار والاحتلال، وايجاد "حلول وسط" معها، باسم "اصلاحها" يسير في عكس مسار التاريخ. فالبرجوازية العالمية، بكل معسكراتها الفاشية والدكتاتورية و"الدمقراطية!!" و"الاشتراكية الدمقراطية الخائنة" ذاتها لم يعد ينفع معها اي "ماكياج" ولم تعد تحتاج الا لحفاري قبورها؛ وحتى لو كان حفارو قبور الامبريالية والصهيونية جهلة واميين ومتخلفين لا يعون ابعاد ما يفعلون، فهم يحققون جزءا من "برنامج الثورة الاشتراكية" إذ يزيحون حواجز اساسية من طريقها ويشقون الطريق نحو افق جديد للبشرية هو:الافق الاشتراكي، الذي لا يتراءى أفق غيره لخلاص الانسانية!
ـ4ـ ان بلورة، فانتصار "الخط اللينيني" اي "خط الثورة الاشتراكية" لم يسر في طريق معبد، وكنتيجة لـ"محاكمة عقلية" صافية للينين وانصاره، او كنتيجة لاكتشاف "حل صحيح" لمعادلة رياضية قيد النقاش والجدل النظري المجرد، بل انه سار ضمن عملية صراع فكري طبقي، هو انعكاس حي للصراع الطبقي الذي يولده النظام الرأسمالي بكل مراحله: الحرفية والملكية الصغيرة، ورأسمالية المزاحمة الحرة، والرأسمالية الاحتكارية، والامبريالية والاستعمار. وذلك ضمن الاطارين الروسي والعالمي معا. وقد تجسدت هذه الحقيقة التاريخية في الصراع الذي خاضه الماركسيون الثوريون، وفي مقدمتهم لينين، داخل الاممية الثانية عشية وخلال الحرب العالمية الاولى، وداخل الحركة العمالية الاشتراكية الدمقراطية الروسية منذ نهاية القرن التاسع عشر وما بعد، واخيرا لا آخرا داخل الحزب البلشفي ذاته. واذا راجعنا تاريخ الحركة العمالية في روسيا سنرى ان حزب المنشفيك قد انشق عن الخيار الاشتراكي منذ سنة 1903، ثم وقف والسلاح بيده ضد الثورة الاشتراكية في سنة 1917، كما سنجد ان قيادة الحزب البلشفي ذاتها، باستثناء لينين، لم تكن مع خيار الثورة الاشتراكية، بل كانت مع خيار "الثورة الدمقراطية البرجوازية" حتى نيسان 1917 تاريخ عودة لينين من المنفى، الذي رفع حينذاك شعار "تحيا الثورة الاشتراكية".
وإنه لمن الخطأ الفادح الاعتقاد ان هذا الصراع، داخل الحزب البلشفي وحوله، قد انتهى بانتصار الانتفاضة المسلحة في 7 تشرين الثاني 1917 (25 تشرين الاول ـ اكتوبر، بالتقويم اليولياني القديم)؛ بل على العكس، فإن هذا الصراع اتخذ شكلا جديدا هو الصراع التناحري داخل الحزب البلشفي وقيادته وقيادة النظام السوفياتي بالذات. وكان لينين بالطبع هو الهدف الاول للاتجاه "الدمقراطي البرجوازي" داخل قيادة الحزب والنظام السوفياتي. وفي 30 اب 1918 حصلت محاولة اغتيال لينين، فأصيب بالرصاص الا انه لم يمت للحال، ولكنه ادرك فورا ان استهدافه هو "من داخل البيت"، فحينما سقط رفض الانتقال بسيارة الاسعاف الى المستشفى وطلب نقله الى بيته، خوفا من اكمال تصفيته في الطريق او في المستشفى. وقيل يومها ان الذي اطلق النار عليه هو فتاة يهودية (من حزب الاشتراكيين الثوريين بزعامة كيرنسكي) اسمها الحركي فاني كابلان. ولكن سيرة هذه الفتاة تقول انها سبق وقضت في السجون القيصرية اكثر من عشر سنوات، وانها خرجت من السجن شبه عمياء بسبب اصابتها بمرض. فكيف اتيح لها ان تصوب ضد لينين وان تصيبه؟ وبعد اعتقال هذه الفتاة تم "اعدامها" او تصفيتها في مقر الشرطة السرية بعد ثلاثة ايام من الجريمة. وقد اختفت بشكل مشبوه اجزاء من ملف التحقيقات معها. كما ان هناك رواية اخرى تقول انها ارسلت الى معسكرات الاعتقال والعمل الاجباري حيث عاشت سرا وأفرج عنها سنة 1945 وماتت بعد ايام من الافراج عنها في ظروف غامضة. ورواية فاني كابلان كلها تدل على "المؤامرة الداخلية" والصراع داخل قيادة الحزب والنظام السوفياتي ذاته. والسنوات الاخيرة من حياة لينين، ووضعه "في قبضة ستالين" حرفيا، بحجة حمايته والحفاظ على صحته، تؤكد هذه الحقيقة، وتؤكد ان لينين ـ بما كان يمثله ـ كان مستهدفا من قبل انصار النهج "البرجوازي" الخائن للاشتراكية في صفوف قيادة الحزب والنظام السوفياتي. وكان هذا النهج بقيادة المتآمر والخائن الاكبر يوسف فيساريونوفيتش دجوغاشفيلي (ستالين)، بالتعاون مع العناصر اليهودية ـ الصهيونية. والملاحظة المؤلمة على هذا الصعيد ان اعداء الاشتراكية المكشوفين والمستورين، ولا سيما خونة الماركسية ـ اللينينية، يحاولون لصق الستالينية بلينين، واعتبارها ـ اي الستالينية ـ بأنها "استمرار" للينينية، في حين ان ستالين هو قاتل لينين، والستالينية هي النقيض القاتل، او السرطان في اللينينية. ومن اوجب واجبات الماركسيين ـ اللينينيين الحقيقيين العمل على كشف كل الحقائق حول طبيعة الستالينية المعادية للينينية والموالية ضمنا وجهرا للصهيونية والرأسمالية والامبريالية.
ـ5ـ ان التجربة الغنية لثورة اكتوبر تثبت ان هناك فرقا جوهريا بين شعار "الثورة الاشتراكية" في "الحلقة الاضعف" (واقامة "السلطة العمالية" واستكمال مهمات الثورة الدمقراطية البرجوازية على يد البروليتاريا الروسية) كما طرحه لينين في 1917؛ وشعار "بناء الاشتراكية في بلد واحد" (وبالتالي خيانة البروليتاريا العالمية كخطوة رئيسية على طريق خيانة البروليتاريا الروسية ذاتها) كما طرحه ستالين بعد وفاة لينين في 1924. وقد طرح لينين شعار "الشيوعية الحربية" في ظروف الحرب الاهلية وحرب التدخل الاستعماري؛ ثم طرح خطة "النيب" الاقتصادية الجديدة، كشكل من اشكال الصراع الطبقي في ظروف "السلم النسبي". وترافق هذا الطرح مع تأسيس الاممية الثالثة او ما يسمى "الكومنترن" (الاممية الشيوعية). وهذا يعني ان لينين واللينينيين الحقيقيين كانوا على وعي تام بأن بناء الاشتراكية لا يمكن ان يتم بدون الصراع الطبقي الداخلي وبدون الالتزام بحركة الثورة العالمية. وهو ما عمل بالضد منه تماما ستالين والستالينيون بعد وفاة (قتل!) لينين في 1924، الذين ادعوا العمل لبناء "الاشتراكية في بلد واحد" من اجل تتبيع الحركة الشيوعية العالمية تمهيدا للقضاء عليها، ولاجل بناء نظام توتاليتاري دكتاتوري فرعوني (باسم "الاشتراكية!")، بالتعاون مع الهتلرية في مرحلة، ومن ثم مع الامبريالية "الدمقراطية" في مرحلة اخرى، وفي كل المراحل مع الصهيونية التي كان عناصرها يشكلون على الدوام "غرفة العمليات السرية" لستالين، الذي كان يحاول اخفاء ارتباطه بالصهيونية والتظاهر الكاذب بـ"العداء لليهود" بتوجيه الضربات ضد "الشيوعيين اليهود" بدءا من المشاركة مع "الاشتراكيين الدمقراطيين" الكاوتسكيين في اغتيال روزا لوكسمبورغ في برلين في 1919، وانتهاء بالمشاركة مع المخابرات الاميركية في اغتيال ليون تروتسكي في المكسيك في 1941. وقد توج ستالين امجاده في حل "الكومنترن" في 1943، واغتيال غيورغي ديميتروف في 1949، بعد ان اجتمع بتيتو، والاعتراف باسرائيل في 1947، وشن حرب شعواء على تيتو والحزب الشيوعي اليوغوسلافي بسبب رفض الاعتراف بتقسيم فلسطين، وتسليح اسرائيل والضغط على الشيوعيين اليهود في اوروبا الشرقية للهجرة الى اسرائيل والقتال الى جانبها في حرب 1948 ـ 1949.
ـ6ـ فيما مضى انحرفت "الثورة الفرنسية" الكبرى، وتحولت الى "امبراطورية نابوليونية"، ثم سقطت النابوليونية ذاتها، وعادت الملكية، ثم تحولت فرنسا الى دولة استعمارية وحشية. فهل يسقط هذا الانحراف القيمة التاريخية الكبرى للثورة الفرنسية؟! ـ كلا طبعا! فلولا الثورة الفرنسية، لكان المجتمع البشري كله لا يزال الى الان يرزح في عهد الاقطاع والقنانة وسيطرة الوجه البشع لكاثوليكية "محاكم التفتيش". وان شعارات "حرية، اخاء، مساواة" و"الجمهورية" التي اطلقتها الثورة الفرنسية هي اليوم كالخبز اليومي الذي لا وجود للمجتمع البشري بدونه. واخيرا عادت الجمهورية الى فرنسا؛ ومن المضحك الان ان يتصور احد فرنسا ملكية. واذا كانت البرجوازية تفرغ "الدمقراطية" من محتواها الانساني وتحولها الى وعاء مزخرف للتمييز الطبقي والقومي والاستعمار والاستعمار الجديد، فهذا لا يعني انه ينبغي التخلي عن الدمقراطية، ولا يلغي الحقيقة التي اشار اليها لينين، وهي انه اذا ذهبنا بالدمقراطية البرجوازية الى نهايتها المنطقية، نصل الى الاشتراكية؛ وهذا يعني: عدم انتظار البرجوازية كي "تقتنع" بالاشتراكية، بل النضال لاسقاط البرجوازية ذاتها، التي سرقت الثورة الفرنسية من الجماهير التي قامت بالثورة، واعادة المحتوى الشعبي، الجماهيري، للدمقراطية.