الإمام مالك مشرعا ومنظما لسوق العبيد في الإسلام
كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن الإسلام المعتدل والنزوع نحو الوسطية حتى لأن أشد المتطرفين باتوا ينعتون أنفسهم بالمعتدلين وبالفهم الواقعي للإسلام.
والحقيقة أن الأخذبالدين الإسلامي من تلابيبه وأطرافه والوقوف في وسط الطريق لن يوقف الصدام الإسلامي بالفكر الحر.
سأتطرق هنا إلى المسكوت عنه فيما أسميه – التراث الإسلامي- وهو آفة مجتمع العبيد ، وكيف تم احتضانه دينيا والتنظير له بأعلى سلطة دينية إلى أن كشف الزمان وسيرورته التقدمية عن لاعلاقته بروح الدين الإسلامي السمح.
هذا المثال/الظاهرة (مجتمع العبيد) لا أكاد أجد لها أثرا في الكتيبات الدعوية السلفية الحديثة، رغم أن أمهات وآباء الكتب قد خصصت لها قسطا وافرا – وكان في ظن السلف الصالح أن المحدثين لن يفرطوا في إرث أجدادهم – لكن الذين طلعوا علينا بالحجاب والنقاب والزواج المتعدد والمحلل لم يجرؤا أن يتقيؤا علينا ما يوجد في الأبواب المجاورة عن التنظير لسوق النخاسة وكيفية استعمال الجواري وتملك الإماء والعبيد.. ألأنهم فطنوا إلى أن المسألة تمس بإنسانية الإسلام؟ فيا ليتهم يفطنون إلى أن منع المرأة من قيادة السيارة، وسجنها في المنزل، ورضاع الكبير أمور تسيء للإسلام.هل اقتنع تابعي أتباع الأتباع أن تشريعات مجتمع العبيد ومقتضياته أمور متجاوزة ولا تصلح لكل زمان ومكان؟ وهنا يحق لنا أن نتساءل لماذا أخذ عن السلف كل ما يتعلق بأمور الدين واستثني ما ينظم مجتمع العبيد؟ ولما يصر معتدلي هذا العصر على إقحام الإمام مالك في المدونات الحديثة؟
سأقتصر هنا في نبشي للثرات الإسلامي على واحد من أهم مصادر الحديث والتشريع في الإسلام. كتاب الموطأ لمالك بن أنس الذي يتخذه الكثير من المعتدلين منبرا للتباهي ويتبع الكثير مذهبه دون معرفة ما يعج به الكتاب من فضائح إنسانية.
الحقيقة التي يغض عنها معتدلي هذا العصر الطرف وهي كون أئمة الحديث ومعاصري الرسول(ص) وتابعيهم لم يكونوا بعيدين عن ما يجري في شبه الجزيرة العربية من نخاسة وامتلاك ما ملكت الأيمان، ولم يكونوا محايدين فيما يتعلق بالجواري الحسان واعتبار التسري وزواج المتعة متنفسا حقيقيا، ولا أدل على ذلك من أن جميع أمهات الكتب قد خصصت (ما تيسر) للكلام عن مجتمع العبيد وما يصلحه وما يفسده.
وكثيرا ما يستشهد بقول عمر بن الخطاب (يا عمرو متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا؟) ولكنه تساؤل في محله لأن عمر كان يعرف أن الحاج المصري الذي أساء إليه عمرو من سادة مصر، وإلا كيف نفسر أن عمر ضرب أمة لآل أنس رآها متقنعة , وقال : اكشفي رأسك , ولا تشبهي بالحرائر . وكان معروفا عنه أنه ينهى الإماء عن التقنع . قال أبو قلابة : إن عمر بن الخطاب كان لا يدع أمة تقنع في خلافته , وقال : إنما القناع للحرائر.
هذا التمييز في حد ذاته دال على أن عمر رغم ما اتصف به من عدل وورع وزهد لم يكن يرى في حالة العبيد داخل المجتمع الإسلامي عيبا أو غضاضة، مع العلم أنه كان له هو الآخر جواري وعبيد ، ففي الموطأ عن مالك أنه بلغه أن عمر بن الخطاب وهب لابنه جارية فقال: (لا تمسها فإني قد كشفتها)[1]
وعن يحيى عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن عمر بن الخطاب قال: (من باع عبدا وله مال، فماله للبائع إلا أن يشترطه المباع)[2].
الإشكالية التي يناقشها هذا الحديث تتجاوز في رجعيتها امتلاك العبد إلى الحق في امتلاك ما يمتلكه العبد، وفي هذا الصدد يقول إمام الأئمة مالك: (الأمر المجتمع عليه عندنا أن المبتاع إذا اشترط مال العبد فهو له نقدا كان أودينا أو عرضا يعلم)[3]
هل هناك أكثر رجعية من هذا؟ للأسف أجيب (نعم) وماذا يملك العبد غير ماله، نجيب له أيضا زوجة وأبناء.
جاء في (باب النهي عن أن يطأ الرجل وليدة ولها زوج) أن عبد الله بن عامر أهدى لعثمان بن عفان جارية ولها زوج ابتاعها بالبصرة، فقال عثمان: لا أقربها حتى يفارقها زوجها (وهنا مبلغ العفة) فأرضى ابن عامر زوجها ففارقها (وهذا مبلغ السفالة).. ولتتصور أنك عبد يصادر السيد كل ما تمتلكه ، ويجعل منك هدية أنت وزوجك، ويراضيك حتى تتنازل عن زوجك لولي نعمتك، فتفارق زوجتك بملء إرادتك ورضاك، فلا غاية ترجى منك إلا إرضاء سيدك؟؟
من حق أي أحد أن يستنكر نسبة هذه التشريعات إلى الإسلام، وقد يشكك الكثير في الهدف من هذه المكاشفة، لكن لا أحد يشكك في أن الإمام مالك رضي الله عنه قد يكون تاجر نخاسة ومشرعا لقوانينها بسلطة الدين.
نأتي إلى الطامة الكبرى التي يمكن أن ندرجها في باب هل تعلم وليس في (باب ما جاء في العهدة).
في عصرنا هذا ليس من الغريب أن يشتري الإنسان ثلاجة في عهدتها ثلاث سنوات أو جهاز عهدته شهور، لكن الذي لا يعلمه الكثير هو العهدة في ما يخص العبيد، فما دام يشرع الحق في بيع الإنسان وشرائه، فلا غرابة أن يختلف الناس في عهدة العبد أهي ثلاثة أيام أم سنة؟ ويرفع الاختلاف إلى مفتي النخاسة، فماذا يقول إمامنا مالك في هذه النازلة؟
قال مالك: ما أصاب العبد أو الوليدة في الأيام الثلاثة من حين يشتريان حتى تنقضي الأيام الثلاثة فهو من البائع، وإن عهدة السنة من الجنون والبرص والجذام، فإذا مضت السنة فقد بريء البائع من العهدة كلها.[4]
هناك مثال آخر عن معاصر للرسول(ص) لا يذكر في يومنا هذا إلا مرتبطا بالزهد والورع والتقوى ولا يسعنا إلا أن نقول أنه نعم الزاهد الورع المحب لدين الله ورسوله ، ورحم الله عبد الله بن عمر حتى لا يعيش في مجتمع خلو من العبيد (بالمعنى الحقيقي للكلمة) ولنتأمل الحديث التالي:
عن سالم بن عبد الله أن عبد الله بن عمر باع غلاما له بثمانمائة درهم وباعه بالبراءة، فقال الذي ابتاعه لعبد الله بن عمر : بالغلام داء لم تسمه لي، فاختصما إلى عثمان بن عفان، فقال الرجل: باعني عبد وبه داء لم يسمه، وقال عبد الله: بعته بالبراءة. فقضى عثمان بن عفان على عبد الله بن عمر أن يحلف له لقد باعه العبد وما به داء يعلمه، فأبى عبد الله أن يحلف وارتجع العبد فصح عنده، فباعه عبد الله بعد ذلك بألف وخمسمائة درهم[5]
هؤلاء هم الشيوخ الذين تعود دعاة الإسلام تقديسهم والإعلاء من شأنهم، إنهم أكثر خطورة من مافيات تجار المخدرات، فذاك يبيع مخدرا وهذا يبيع إنسانا، والأنكى أنه لا يفرق بين العبد والحيوان ، سنجد ذلك جليا في قول الإمام مالك (الأمر المجتمع عليه عندنا فيمن باع عبدا، أو وليدة، أو حيوانا بالبراءة..)[6] وهو قول يعضده إدراج الإمام مالك لأمور العبيد ضمن كتاب البيوع حيث يشرع لبيع وشراء العبيد والتمر والفاكهة والذهب والفضة[7].
إذا كانت التشريعات المتعلقة بالعبيد والإماء والجواري تسقط في العصور الحديثة، أليس هذا إلغاء لقاعدة أن كل النصوص الدينية صالحة لكل زمان ومكان؟ وإذا كان من اللزام تسمية العصر الإسلامي والراشدي وما بعدهما بالعصور الذهبية، فكيف نبرر تفشي التسري وامتلاك الرقاب والعبيد فيه؟ ثم أليس شيئا يندى له الجبين أن نأخذ أمور الفقه من كتب مغرقة في رجعيتها، حتى لأن الموجة السلفية المتشددة تبدوا في أشد الاعتدال مقارنة مع ما تعج به من ثراثيات؟
حادثة طريفة يذكرنا بها فقهاء الحديث للتدليل على صحة أحاديث البخاري وهي كونه يقطع المسافات الطويلة لملاقاة الرجل لإغذا شعر بأنه ليس بالرجل الثقة، استغنى عن إفاداته، ومن ذلك أنه جالس رجلا وروى عنه أحاديث وقبل أن ينصرف رأى الرجل يخادع دابته في طريقة إطعامها فكره البخاري منه ذلك السلوك ولم يعتمد رواياته، تلك لعمري هي الدقة المتوخاة فالرجل الذي عُرف عنه أنه يستعبد الناس ويحلل فروج الجواري والمحصنات أيُ دين سيشرع له غير دنياه الأثيرة.
[1] مالك بن أنس (الموطأ) دار إحياء الكتب العربية- دار الكتب العلمية-بيروت. لبنان- مراجعة وتنقيح محمد فؤاد عبد الباقي – الطبعة الأولى ص348
[2] أخرجه البخاري ومسلم. مالك بن أنس –الموطأ- ص389
[3] الموطأ (باب ما جاء في مال المملوك) ص389
[4] الموطأ (باب ما جاء في العهدة) ص390
[5] الموطأ (باب العيب في الرقيق) ص390
[6] الموطأ (باب العيب في الرقيق) ص391
[7] الموطأ (كتاب البيوع) ص388[size="5"][/size]